والشاهد لعلي سبقه القديم وفضله المبين، وأنصار الدين الذين ذكروا في القرآن، فهم حوله عصائب، وبجنيبتيه كتائب يرجون الفضل في اتبّاعه ويخافون الشقاء في خلافه، فكيف تعدل نفسك بعليّ وهو كان أول الناس لرسول الله ﷺ اتباعا، وآخرهم به عهدا، يشركه في أمره، ويطلعه على سرّه، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع بباطلك وليمدد لك عمرو في غوايتك، فكأن قد أنقضى أجلك، ووهن كيدك فتستبين لمن تكون العاقبة.
واعلم أنك يا معاوية إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ومكره، ويئست من روحه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، وبالله ورسوله وأهل بيته عنك الغنى، والسّلام على من تاب وأناب».
فأجابه معاوية:
من معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر الزاري على أبيه.
سلام على من اتبع الهدى وتزود التقوى.
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله وما اصطفى له رسوله، مع كلام لفقته وصنعته لرايك فيه تضعيف ولك فيه تعنيف، ذكرت حق ابن أبي طالب وسوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته إياه، واحتججت عليّ بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف عنك ذلك الفضل وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لنا لازما وفضله علينا مبرزا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتمّ له وعده وافلج حجته، وأظهر دعوته؛ قبضه الله إليه، فكان أبوك - وهو صديقه - وعمر - وهو فاروقه - أول من أنزله منزلته عندهما، فدعواه إلى أنفسهما فبايع لهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما حتى مضيا وانقضى أمرهما، ثم قام عثمان ثالثا يسير