أحسنها لسنتّه اتباعا، وأعلمها بما في كتابه احتسابا، وقد عمل بكتاب الله ربكم وسنة نبيكم قوم صالحون على الله جزاؤهم، وهلكوا فلم يدعوا بعدهم مثلهم ولا موازيا لهم، وبقي قوم يريغون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون جلود الضأن لتحسبوهم من الزاهدين، يرضونكم بظاهرهم ويسخطون الله بسرائرهم، إذا عاهدوا لم يوفوا وإذا حكموا لم يعدلوا، يرون الغدر حزما، ونقض العهد مكيدة، ويمنعون الحقوق أهلها، فنسأل الله أن بهلك شرار هذه الأمّة، ويولّي أمورها خيارها وأبرارها.
فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب اليه: بلغني انك تجلس العصرين فتفتي بالجهل، وتعيب أهل البر والفضل، واظن حلمي عنك واستدامتي إياك جرّأك عليّ، فاكفف عني من غربك، واربع على ظلعك، وأرع على نفسك.
فكتب اليه ابن عباس: فهمت كتابك، وانما يفتي بالجهل من لم يؤت من العلم شيئا، وقد آتاني الله منه ما لم يؤته أياك، وزعمت أن حلمك عني جرّأني عليك فهذه «أحاديث الضّبع استها»(١)، فمتى كنت لعرامك هائبا وعن حدّك ناكلا؟! ثم تقول: إني ان لم أنته وجدت جانبك خشنا، ووجدتك إلى مكروهي عجلا، فما أكثر ما طرت إليّ بشقّة من الجهل، وتعمدتني بفاقرة من المكروه، فلم تضرر إلاّ نفسك، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا أرعى عليك إن أرعيت، فو الله لا انتهيت عن ارضاء الله باسخاطك.
(١) - يقال في ذم التمني والطمع الكاذب. جمهرة العسكري ج ١ ص ٢٧٤.