للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

-وحدثني محمد بن سعد والوليد بن صالح، عن محمد بن عمر الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن عمر بن عبد الله، عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم قال:

لما نزلت على النبي ﴿وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (١)، اشتدّ ذلك عليه وضاق به ذرعا، فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته، حتى ظنّ عماته أنه شاك، فدخلن عليه عائدات، فقال: ما اشتكيت شيئا، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فأردت جمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى الله.

قلن: فادعوهم، ولا تجعل عبد العزى فيهم - يعنين أبا لهب - فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه، وخرجن من عنده، وهن يقلن: إنما نحن نساء. فلما أصبح رسول الله ، بعث إلى بني عبد المطلب. فحضروا ومعهم عدّة من بني عبد مناف، وجميعهم خمسة وأربعون رجلا. وسارع إليه بو لهب، وهو يظنّ أنه يريد أن ينزع عما يكرهون إلى ما يحبون، فلما اجتمعوا، قال أبو لهب:

«هؤلاء عمومتك وبنو عمك، فتكلم بما تريد، ودع الصلاة، واعلم أنه ليست لقومك بالعرب قاطبة طاقة. وأنّ أحق من أخذك فحبسك أسرتك وبنو أبيك إن أقمت على أمرك، فهو أيسر عليهم من أن تثب بك بطون قريش وتمدّها العرب، فما رأيت، يا بن أخي، أحدا قط جاء بني أبيه بشرّ مما جئتهم به». وأسكت رسول ، فلم يتكلم في ذلك المجلس، ومكث أياما، وكبر عليه كلام أبي لهب. فنزل جبريل، فأمره بإمضاء ما أمره الله به، وشجعه عليه. فجمعهم رسول الله ثانية، فقال: «الحمد لله أحمده، وأستعينه وأومن به واتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له». ثم قال: «إن الرائد لا يكذب أهله. والله لو كذبت الناس جميعا،


(١) - سورة الشعراء - الآية:٢١٤.