يجعلها الله في الناس، فقد تجد الرجل شجاعا لا رأي له، فتلك الشجاعة الضارّة لصاحبها لأنّها تقدم به في غير حال الإقدام، وتحجم به في غير وقت الإحجام فيهلك ويهلك، وقد تكون الشجاعة نافعة لصاحبها إذا أقدمت به حين الإقدام، وأحجمت به في حين الإحجام، والله أصلح الله الأمير لقد رأيتني يوم مرج راهط وإنّ همّام بن قبيصة النميري لواقف وقد انفضّ عنه أصحابه، وإنّه من شجاعته لواقف لا يدري ما يصنع، لو فرّ لكان الفرار يمكنه، ولكن حمي أنفا فحمل عليّ وحملت عليه فبادرته بضربة على عاتقه فأرديته عن دابته، ثم نزلت إليه لأحتزّ رأسه فتفل في وجهي ثم قال:
ألا يا بن ذات النوف أجهز على امرئ … يرى الموت خيرا من فرار وأكرما
ولا تتركنّي بالحشاشة إنني … أكرّ إذا ما الناس مثلك أحجما
فأخذت رأسه وأتيت به مروان، وقلت: هذا رأس همّام بن قبيصة، قال: أأنت قتلته؟ قلت: نعم، قال: فهل أعانك عليه أحد؟ قلت:
نعم الله وانقضاء مدّته، فقال: هو والله كما قال الشاعر:
وفارس هيجا لا يقام لبأسه … له صولة يزورّ عنها الفوارس
وشدّة ليث ترهب الأسد وقعها … وتذعر منها العاويات العساعس
جريء على الإقدام ليس بناكل … ولا يزدهيه الأحوشيّ المغامس
قالوا: وقال مروان في حربه يوم المرج:
لمّا رأيت الأمر أمرا صعبا … يسّرت غسّان لهم وكلبا
ويروى:
لمّا رأيت الناس مالوا جنبا … والسكسكيّين الرجال الغلبا
والقين تمشي في الحديد نكبا … وطيّئا يأبون إلاّ ضربا