للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فارسا شجاعا إذا ركب خطّت الأرض رجله، فأطار قحف رأسه فخرّ ميّتا، ثم تتابع الناس عليه وكثروه، فلم يكن له بهم طاقة، فدخل القصر واشتدّ عليه الحصار، فقال لأصحابه: انزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراما، والله ما أنا بآيس إن صدقتم أن تنصروا، فضعف أصحابه وعجزوا، فقال:

أما والله لا أعطي بيدي ولا أحكم في نفسي، فلما رأى عبد الله بن جعدة ما يريد المختار تدلّى من القصر فلحق بناس من إخوانه فاستخفى عندهم.

ثم إنّ المختار ارسل إلى امرأته أمّ ثابت بنت سمرة بن جندب فبعثت إليه بطيب فاغتسل، وتحنّط، ووضع الطيب في رأسه ولحيته، ثم خرج في تسعة وعشرين رجلا من أصحابه فيهم السائب بن مالك الأشعري، فقال للسائب: ما ترى؟ قال السائب: أنا أرى أم أنت؟ قال المختار: بل الله يرى، أنت ويحك أحمق، إنّما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ومروان على الشام، ونجدة على اليمامة، فلم أكن دون أحدهم فقاتل على حسبك، فقال السائب: وما كنت أصنع بالقتال على حسبي، وتمثّل المختار بقول ابن الزبعري:

كلّ بؤس ونعيم زائل … وسواء قبر مثر ومقلّ (١)

ثم قال لأصحابه لما رأى ما بهم من الروع والفشل، والامتناع من أن يتابعوه على الخروج والقتال معه: إنّي والله إن قتلت لم تزدادوا إلاّ ضعفا وذلاّ. ثم إن أخذتم ذبحتم كما يذبح الغنم يقولون: هذا قاتل أبي، وهذا قاتل أخي، وإن قاتلتم صابرين فقتلتم متّم كراما.


(١) شعر عبد الله بن الزبعرى ص ٤١ مع فوارق واضحة.