فخرّ مصعب من المنبر حتى ألصق خديه بالأرض وقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله، وحمله وكساه وأمر له بعشرين ألف درهم.
المدائني، قال: وجد مصعب على الفرات بن معاوية البكّائي فحلق رأسه ولحيته في غداة يوم فراح إليه الفرات من يومه وقد أعتم فسلّم عليه فتذمّم مصعب وقال: رجل فعلت به ما فعلت وأتاني في عشيّة يومه فأحسن إليه وأكرمه ووصله وولاّه.
وقيل لعبد الملك إنّ مصعبا ينال الشراب فقال: والله لو علم مصعب منذ حارب أنّ شرب الماء يفسد مروّته ما شربه فكيف يشرب الشراب، ما عرفت له زلّة مذ حارب.
محمد بن سعد عن الواقدي، قال: كان مصعب وعبد الملك، وعبد الله بن أبي فروة أخلاّء لا يكادون يفترقون، فكان عبد الملك وابن أبي فروة يتباريان في الكسوة، ولم يكن مصعب يقدر على ما يقدران عليه، فاكتسى ابن أبي فروة حلّة واكتسى عبد الملك مثلها وبقي مصعب لا شيء له فذكر عبد الله، فلما ولي مصعب العراق استكتب عبد الله بن أبي فروة، فإنّه لعند المصعب إذ أتي المصعب بعقد جوهر قد أصيب في بعض بلاد العجم لبعض ملوكهم، فقال: يا عبد الله أيسرّك أن أهبه لك؟ قال: نعم فدفعه إليه، وقال: والله لسروري بالحلّة لو كسوتمونيها أشدّ من سرورك بهذا العقد فبارك الله لك فيه، قال: فلم يزل العقد عنده حتى أخذ أخوه عمران في إمرة عمر بن عبد العزيز على المدينة شاربا، فأمر عمر باستنكاهه فوجدت منه رائحة الشراب فأمر بحبسه فجاء عبد الله بالعقد فدسّه تحت مصلى عمر، ثم قام، فرفع عمر المصلى فرأى العقد فقال: