الملك ليلا فجعل ينادي من يعرف بغلا من صفته كذا وكذا حتّى انتهى إلى خباء الرجل وقد عرفه (فقال) الرجل: ردّ الله علينا ضالتك، فقال: يا عبد الله إنّي قد أعييت فلو أذنت لي فاسترحت قليلا، قال: ادخل فدخل والرجل وحده في خبائه فرمى بنفسه ونام صاحب الخباء، فقام إليه فأيقظه فقال والله لئن تكلّمت لأقتلنّك، ولن سكت وجئت معي إلى زفر فلك عهد الله وميثاقه أن أردّك إلى عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك، فخرجا وهو ينادي من دلّ على بغل ويصف حتّى أتى زفر بن الحارث والرجل معه، فأعلمه أنّه قد آمنه، فوهب له زفر دنانير وحمله على راحلة، وألبسه ثياب النساء، وبعث معه رجالا حتى دنوا من عسكر عبد الملك فنادوا هذه جارية بعث بها زفر إلى عبد الملك.
وانصرفوا، فلما نظر إليه أهل العسكر عرفوه، وأخبروا عبد الملك خبره فضحك وقال: لا أبعد الله رجال مضر، والله إن قتلهم لذل، وإن تركهم لحسرة، وكف الرجل فلم يعد لشتم زفر وأصحابه، ويقال إنه هرب من العسكر.
قالوا: وقال عبد الملك وهو محاصر لزفر بن الحارث:
إنا وجدنا زفر بن الحارث … في هذه الهنات والهيائث
(١) خبيثة من أخبث الخبائث
قالوا: وكتب عبد الملك إلى زفر بن الحارث كتابا يدعوه فيه إلى الطاعة ولزوم الجماعة ويرغبه ويرهبه، وبعث بالكتاب مع رجاء بن حيوة
(١) المهايثة: المكاثرة، والهيثان: إصابة الحاجة من المال والإفساد فيه. القاموس.