وقالوا: كان قتال المهلب قطريا وأصحابه بسابور وما حولها ثمانية عشر شهرا. ووجه المهلب بشر بن مالك إلى الحجاج وأمر له بجائزة فردها وقال:
إنما الثواب بعد الإستحقاق، فلما ورد على الحجاج قال له: كيف تركت المهلب؟ قال: أدرك ما أمل وأمن ما خاف. فقال: كيف هو لجنده؟ قال: والد رؤوف. قال: كيف جنده له: قال: ولد بررة. قال: هذه السياسة.
وكان مع قطري رجل حداد يقال له أبزي يتخذ نصالا مسمومة.
فذكر ذلك للمهلب فقال: أكفيكموه. فكتب المهلب إلى أبزي:«إنه قد أتتنا نصالك، وقد بعثت إليك بألف درهم فزدنا نصالا». وبعث بالكتاب فألقي في عسكر قطري فأخذ الكتاب فدفع إلى قطري، فسأل أبزي عن الخبر فقال: لا أدري ولا أعلم ما هذا الكتاب. فأمر به فقتل. فقال له عبد ربه: قتلت رجلا بغير ثقة ولا بيان يحل به دمه؟ فقال: يمكن هذا أن يكون حقا، ويمكن أن يكون باطلا. فرأيت في قتله صلاح الدين أمثل، وللإمام أن يحكم بما يرى فيه الصلاح، وليس للرعية أن ترد عليه. فتنكر له عبد ربه وجماعة وخالفوه في القول ولم يفارقوه.
وأرسل المهلب رجلا نصرانيا وقال له: إذا رأيت قطريا فاسجد له فإن نهاك فقل إنما سجدت لك، ففعل النصراني ذلك فقال له قطري: مه. إنما السجود لله. قال: ما سجدت إلاّ لك، فقال رجل من أصحابه: قد عبدك من دون الله، وقرأ: ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ