المدائني قال: الثبت أن أيوب بن سليمان توفي بالشام ولم يكن غازيا، وإنما كان الغازي مسلمة بن عبد الملك، وكان سليمان أراد أن يغزيه على الجيش فمرض. قال: فلما احتضر أيوب دخل عليه وهو يجود بنفسه، ومعه عمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة، فجعل ينظر في وجهه فتخنقه العبرة فيردّها، ثم نظر إلى عمر فقال: إنه والله ما يملك أحد أن يستبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة والناس في ذلك أصناف: فمنهم من يغلب صبره جزعه، فذلك الجلد الحازم المحتسب، ومنهم من يغلب جزعه صبره، فذلك المغلوب الضعيف، وإني أجد في قلبي لوعة إن أنا لم أبرّدها بعبرة خفت تتصدع كبدي كمدا وأسفا.
فأما عمر فنهاه عن البكاء وأمره بالصبر، وأما رجاء فقال: افعل ولا تفرط فإن رسول الله ﷺ لما هلك ابراهيم ابنه قال: «تدمع العين ويفجع القلب، ولا نقول ما يسخط الربّ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون». فلما دفن أيوب وقف سليمان على قبره وقال:
وقفت على قبر مقيم بقفرة … متاع قليل من حبيب مفارق
ثم قال: عليك السلام يا أيوب. كنت لنا أنسا ففارقتنا، فالعيش من بعدك مر المذاق. ثم ركب دابته وقال:
فإن صبرت فلم ألفظك من جزع … وإن جزعت فعلق منفس ذهبا
فقال عمر: الصبر يا أمير المؤمنين فإنه أقرب الوسائل إلى الله.
قال: وعزى رجل سليمان عن أيوب فقال له: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تجعل آخر أمرك أوله فافعل. فقال سليمان: لقد أوجزت في التعزية وسكّنت من اللوعة، عند الله أحتسب أيوب.