للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسعد، وعمر، وعمار. وخرج الناس مهاجرين متتابعين، فلم يبق منهم إلا من حبسته قريش، ولم يبق بمكة من بني أسد بن خزيمة أحد، حتى أغلقوا أبوابهم. وأغلقت أبواب بني البكير - وغير الكلبي يقول: بني أبي البكير - وأبواب بني مظعون. فمرّ عتبة بن ربيعة بدور بني جحش، فإذا أبوابها تخفق وليس فيها أحد، فتمثل قول الشاعر:

وكل دار وإن طالت سلامتها … يوما ستلحقها النكراء والحوب

وبقي رسول الله وعليّ، وأبو بكر رضي الله تعالى عنهما، ليس معهم غيرهم، وأراد أبو بكر الهجرة، فسأله رسول الله أن يحبس نفسه عليه. وكان قد علف راحلتين له ورق السمر أربعة أشهر. فلما أذن لرسول الله في الهجرة، أتى أبا بكر، فأعلمه الهجرة، فأعطاه إحدى تينك الراحلتين، وهي ناقة رسول الله القصواء، من نعم بني قشير، فلم تزل عنده، وماتت في أيام أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ وكانت مرسلة ترعى بالبقيع لا تهاج. ويقال بنقيع (١) الخيل.

- قالوا: تناظرت قريش في أمر رسول الله حين هاجر أصحابه، فقال أبو البختري العاص بن هاشم: نخرجه فنغيّب عنا وجهه ليصلح ذات بينها. وقال آخر: بل يقيد ويحبس حتى يهلكه، ثم فرق (٢) رأيهم على أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما نهدا جلدا وسيطا، فيعطوه سيفا صارما، ثم يجتمع أولئك الغلمان فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يدري بنو عبد مناف ما يصنعون، ولا يقوون على حرب


(١) - نقيع الخيل موضع قرب المدينة، كان لرسول الله حماه لخيله، وله هناك مسجد يقال له مقمل، وهو من ديار مزينة. المغانم المطابة.
(٢) - أي اتضح واستقر.