للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المدائني: جعل يزيد يطوف في داره فيقف على المواضع التي كانت تقعد فيها، فبينا هو كذلك إذ سمع وصيفة كانت لها تنشد:

كفى حزنا للهائم الصّبّ أن يرى … منازل من يهوى معطّلة قفرا

فبكى. وكان يجلس تلك الوصيفة عنده فيحدثها ويذاكرها أمر حبابة، ويأنس بها حتى مات.

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: أراد يزيد أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز في بعض أيامه، فبدا لحبابة هجران منه فأرسلت إلى الأحوص وكان مقيما عنده: أنشد أمير المؤمنين شيئا يدعوه إلى ترك ما أخذ فيه فأنشده:

ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا … فقد غلب المحزون أن يتجلّدا

بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لا مني … ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا

إذا كنت معزافا عن اللهو والهوى … فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

هل العيش إلا ما تلذّ وتشتهي … وإن لام فيه ذو الشّنآن وفنّدا (١)

فقام يزيد وهو يقول: «هل العيش إلا ما تلذ وتشتهي» حتى دخل على حبابة، وعاد الى أمره الأول، ثم ماتت فجزع عليها، وخرج حاملا جنازتها حتى كلمه مسلمة في ذلك، فرجع الى قصره، ومات بعدها بخمسة عشر يوما.

وقال المدائني: لم يعلم بموت يزيد بن عبد الملك حتى سمعوا صوت سلامة من فوق القصر وهي تقول:


(١) شعر الأحوص الأنصاري ص ١١٧ - ١٢٢.