ولم تهجه فبالحري أن يفي لك، وإن رمت عزله فلا أحسبه والله يعطيك طاعة أبدا. فقال الحجاج: صدقت، فاحتبسه الحجاج عنده ولم يزعجه للرجوع وولاه عمان وأوصاه بإذلال من بها من أهل بيت المهلب وقال: إن الخيار قدم عليّ فرأيت رجلا جزلا ذا عقل فاحتجت إليه لولاية عمان فوليته إياها. ثم إنه كتب إلى يزيد بعد أشهر يعلمه حاجته إلى مشافهته بأمر لا يحتمله الكتاب، ولا تحمله الرسل، فكتب إليه يعتلّ بالعدوّ وبشدة شوكته وانتشاره، فكتب إليه إنه لا بد لك من القدوم، فاستخلف المفضّل أخاك على عملك واقدم عليّ منبسط الأمل، واثقا برأي أمير المؤمنين فيك.
فأشار عليه حضين بن المنذر الرقاشي بالمقام والمدافعة، وأشار عليه المفضّل بالقدوم على الحجاج وقال له: إن شيخنا أوصانا بالطاعة التي هي عزّنا وبها كان نباتنا، وإليها تؤول أمورنا. فقال له: ويحك، لئن طمّعك في ولاية خراسان فولاّك إياها لم يقرّك بعدي إلا يسيرا.
وفكر يزيد فقال: إنّا قوم شرفنا بالطاعة وبورك لنا فيها، فإن خلعنا أيدينا منها غيّرنا ما بنا، والله يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (١) وأرجو أن لا يقدم الحجاج عليّ بسوء مع رأي أمير المؤمنين عبد الملك في المهلب وولده وحفظه ما كان من آثاره وبلائه، فاستخلف يزيد المفضل، وسار إلى الحجاج حتى إذا صار إلى اصطخر لقيه موت عبد الملك وقيام الوليد بن عبد الملك، فقال: الآن هلكنا. فلما قدم على الحجاج أظهر إكرامه وإعظامه وجعل يسايره إذا ركب ولا يحجب عنه.