للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: ولما كان اليوم الذي قتل فيه يزيد، وهو يوم الجمعة، لأربع عشرة ليلة خلت من صفر، سنة اثنتين ومائة، خرج منسر لأهل الشام ومنسر لأهل العراق فتهايجوا، فسمع يزيد ضجة فقال: ما هذا؟ فقيل:

الناس يقتتلون. فدعا يزيد بدرعه وثيابه فلبسها وخرج ووضع له كرسي على باب خندقه، ووضع لمحمد كرسي آخر وجعلا يتحدثان، وقد كانت أصابت يزيد خلفة (١) قبل ذلك فضعف، فأمر الناس فتقدموا وعلى ميمنته حبيب بن المهلب، وعلى الميسرة المفضّل بن المهلب، والراية مع المهلب بن العلاء، وركب محمد فرسه فلحق بهم فصار ومن معه على حاميتهم.

وزحف أهل الشام، وفي ميمنتهم الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي، وفي الميسرة القعقاع بن خليل بن جزي العبسي، ويقال الوليد بن تليد العبسي، والوضاح البربري مولى عبد الملك في الوضاحية. ولوضاح هذا يقول جرير بن عطية:

لقد جاهد الوضّاح بالحقّ معلما … فأورث مجدا باقيا أهل بربرا (٢)

فاقتتلوا وصبر الناس، فقال مسلمة للوضاح: انطلق إلى جسر الصرّاة فأحرقه وأحرق السفن التي في الصراة. فأحرق الجسر وبعض السفن فلما رأوا النار اضطرب عسكر يزيد فقال يزيد ما للناس؟ قيل: انهزموا.

قال: ولم؟ قيل: أحرق الجسر. فقال: لعنهم الله رعاج (٣) نفخ فطار، بئس حشو الكتيبة والعسكر، كأنهم غنم شدّ في ناحيتها ذئب.


(١) يقال أخذته خلفه: كثر تردده إلى المتوضإ. القاموس.
(٢) ديوان جرير ص ١٨٧.
(٣) الرعج: البرق تتابع لمعانه. القاموس.