فيك، فحميد هو على ما يولي، مشكور على ما يبلي، وليس امرؤ وإن ظوهرت له العظة ونخلت له النصيحة بمنتفع بشيء من ذلك حتى يكون له من توفيق الله داع، ومن نفسه عليه معين يبصره فضل ما يوعظ به على ما يوعظ عليه، فإنه لا يوفق للخير ويعين عليه إلا الله وحده لا شريك له.
وقد كان مما أحدث الله لي فيك من النعمة، ما أسأل الله تمامه، وحسن المزيد فيه، والعون على أداء شكره عليه، فإنه قد أراني فيك من معالم الفضل وأمارات الخير ما قذف به في نفسي توجيهك لما وجهتك له من الأمر الذي أرجو أن يجعله الله لك إلى قصوى غايات الفضل سببا وسبيلا، فيما يعرفنا من بصرك بالأمور واستقلالك بالقيام لله بالنصيحة، وحسن السياسة، والرفق في مستقبل أمرك، ومفتاح عملك، فليكن أول ما تبدأ به إيثار تقوى الله ربك بالاجتهاد في طاعته، والحيطة لدينه وعباده ليجزيك بذلك جزاء كريم سلفك الماضين، وصلحاء أهلك الباقين، فإنّ به تمام كل نعمة، وإليه منتهى كل رغبة».
حدثني الأثرم عن أبي عبيدة قال: دخل أعرابي على هشام في غمار الناس، فقال هشام لحاجبة: أكلّ من شاء أن يدخل دخل؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين إن دخولي عليك لا ينقص من قدرك، وهو يزيد في قدري. فقال: لا بأس إذا، أذكر حاجتك، فتظلم من واليهم، فكتب بإنصافه.
ويقال إن هشاما - أو الوليد بن عبد الملك - كان يقف على البقال قبل الخلافة فيقول: ناولني تلك الحزمة، فيناوله حزمة من البقل فيقول: بكم هذه؟ فيقول: بفلسين، فيقول: زد فيها.