اللهم إنك أمرتنا فلم نأتمر، وزجرتنا فلم ننزجر، اللهم فإنا لا نعتذر ولكن نقرّ ونستغفر.
قال ولما احتضر قال لابنه: ائتني بجامعة فشدّ بها يديّ إلى عنقي ففعل، ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت أمرك، ونهيت فجزت نهيك، ولست عزيزا فأنتصر، ولا بريئا فاعتذر، ولكني أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك. ثم قال لابنه: إذا متّ فعجّل أمري، وإذا دفنتني فعجّل الانصراف فوالله ما أحسبكم تنصرفون حتى تسمعوا صوتا.
وقال أبو اليقظان: لما احتضر عمرو قال: خدّوا لي الأرض خدّا، وسنّوا علي التراب سنّا، ووضع إصبعه في فمه وضع المفكر المتندم حتى مات، وكان يوم مات ابن ثلاث وتسعين سنة، وصلى عليه عبد الله ابنه، ثم صلى بالناس يوم الفطر.
وقال غير أبي اليقظان: مات وله ثمان وثمانون سنة، والله أعلم (١).
(١) بهامش الأصل: «في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت يبكي طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول له: ما يبكيك يا أبتاه؟ أما بشرّك رسول الله ﷺ بكذا؟ أما بشرك رسول الله بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله ﷺ مني، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله ﷺ فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: «مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن اشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الاسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله»؟ وما أحد أحبّ إليّ من رسول الله ﷺ