للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنفسكم بما أرضى به لنفسي؟ قلنا: يا أمير المؤمنين إن المدينة أرض العيش بها شديد، ولا نرى طعامك يغشى ولا يؤكل، وإنّا بأرض ذات ريف، وان أميرنا يغشى ويؤكل طعامه، فنكث على الأرض ساعة، ثم رفع رأسه فقال لأبي موسى: نعم فإني قد فرضت لك كل يوم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان الغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشرابك فاشرب، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك، فإذا كان العشيّ فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، وادع بشرابك ألا واشبعوا الناس في بيوتهم وأطعموا عيالهم، ومع ذلك والله ما أظن رستاقا يؤخذ منه كل يوم شاتان، وجريبان إلا أسرع ذلك في خرابه.

حدثنا يحيى بن أيوب الزاهد، ثنا اسماعيل بن ابراهيم عن يونس عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص الثقفي كان يحضر طعام عمر فلا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ فقال: إن طعامك جشب (١) غليظ، وإني أرجع إلى طعام ليّن قد صنع لي فأصيب منه، فقال عمر : أتراني أعجز عن أن آمر بشاة يلقى عنها شعرها، وآمر بدقيق ينخل في خرقة ثم آمر به فيخبز خبزا رقاقا وآمر بصاع من زيت فيقذف في سعن (٢)، ثم يصب عليه الماء فيصبح كأنه دم غزال؟ فقال: إني لأراك عالما بطيب الطعام ورخيّ العيش، فقال: أجل والذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حساتي لشاركتكم في لين عيشكم.


(١) جشب: غليظ خشن. اللسان.
(٢) السعن: شيء يتخذ من أدم شبه دلو، إلا أنه مستطيل مستدير. اللسان.