فإن ترك الغضب في مواطن الحكم مما يوجب الله به الأجر، ويحسن فيه الذخر، فمن خلصت نيته لربه كفاه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله أنه ليس في قلبه شانه الله ﵎ به، فإن الله لا يقبل من عبده إلا ما كان خالصا، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام».
وقال عمر بن شبة: حدثني هارون بن عمر عن محمد بن شعيب عن عيسى بن موسى أن عمر كتب: «أمّا بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، وفهم يقسمه الله، افهم إذا أدلي إليك، واقض إذا فهمت، وأنفذ إذا قضيت، ثم اعرف أهل المحكّ والشغب واللظ في الخصومة، فإذا عرفت أولئك فأنكر وغيّر فانه من لم يزع الناس عن الباطل لم يحملهم على الحق، قاتل هواك كما تقاتل عدوك، وأوجب الحق غير مضار فيه، وإذا حضرك الخصم فرأيت منه العيّ والفهاهة فسدده وارفق به في غير ميل ولا جور على صاحبه، وشاور ذوي الرأي من جلسائك وإخوانك فإنه مجلس لا يحابى فيه قريب، ولا يجفى فيه بعيد، عاد ولدك وأهل بيتك فيما وليت من الحكم، فإن فيه مقحمات جهنم، وليس لوال ولا قاض أن يأخذ بظنّه، ولا بعلمه دون ما وضح له بالبينات العادلة، وأبلغ الناس ريقهم، وأفهمهم حججهم، وإياك والضجر والتبرم بالخصوم والتأذي بهم، والسلام».
حدثني أحمد بن ابراهيم الدورقي، ثنا أبو عاصم عن سعيد بن أبي عمران قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «أما بعد فإن للناس وجوها يرفعون حوائجهم، فأكرم وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف أن يؤتى نصيبه من القسم والحكم، والسلام».