فأرني الضربة فأراه إياها فقال: أرأيك اليوم كرأيك يومئذ؟ قال: لا، رأيي اليوم الجماعة. قال الضحاك: ما عليكم مني بأس، أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا ولكن العجب كيف نجوت من زياد فلم يقتلك فيمن قتل أو يسيّرك. قال: أما التسيير فقد سيّرني وقد عافى الله من القتل.
ثم حدث الضحاك فقال: أصابني يومئذ عطش، ضل الجمل الذي كان عليه ماؤنا، وأصابني نعاس فملت عن الطريق فبعثت من يطلب الماء فلم يجده، ووقفنا على جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول:
دعاني الهوى فازددت شوقا وربما … دعاني الهوى من ساعة فأجيب
فأرّقني بعد المنام وإنّما … أرقت لساري الهمّ حين يؤوب
فأشرفت فإذا الرجل فاستسقيته فقال: أما والله دون أن تعطيني ثمنه فلا، قلت: وما ثمنه؟ قال: ديتك - ويقال إنه قال فرسك - قلت:
أو ما يجب عليك أن تسقي الضيف وتطعمه وتكرمه؟ قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قلت: والله ما أراك فعلت خيرا قط فضمنت له مائة دينار وأعطيته قوسي رهنا، فمضى إلى ماء وانطلق يعدو حتى أتاني بإناء فقلت لا حاجة لي فيه، ودنوت من الناس وهم على الماء فاستسقيت فقال شيخ لابنته:
اسقيه، وقلما رأيت أجمل منها فأتتني بماء ولبن فشربته، فقال الرجل الأول:
أنجيتك من العطش وتذهب بحقي؟ لا أفارقك حتى استوفي مائة، واجتمع إلي أهل الماء فقلت: هذا ألأم الناس فعل كذا وكذا، وهذا أكرم الناس فعل كذا فشتموه. وأقبل أصحابي فسلموا علي بالإمرة فذهب لينهض فقلت: لا والله حتى أوفيك مائة، وأمرت به فجلد مائة جلدة، وأمرت للشيخ وابنته بمائة دينار وكسوة، وقد يروى هذا الحديث عن حبيب بن مسلمة الفهري