للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرج، ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى جارية منهنّ فكاد يجن وبهت ينظر إليها، فقالت سكينة:

من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت، صاحبك أشعر منك حين يقول:

إن العيون التي في طرفها مرض … قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به … وهن أضعف خلق الله أركانا (١)

فقال: ائذني لي حتى أنشدك أجود من شعره، فلم تفعل. فقال:

يا بنت رسول الله ضربت إليك من مكة للسلام عليك فكذبتني ومنعتني أن أنشدك شيئا من شعري، وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فان أنا متّ فأمري جعلت فداك أن أدفن في حر هذه الجارية، يعني التي أعجبته، فضحكت سكينة، ووهبت الجارية له، وقالت:

يا فرزدق أحسن صحبتها فقد آثرتك بها على نفسي.

وقالوا: لقي ضرار بن القعقاع وابن أحوق العنبري الفرزدق فقالا له:

أجب الأمير الجراح بن عبد الله الحكمي فتعتعاه وزلزلاه، وكان من أجبن الناس حتى إذا كاد يموت ضحكا منه وتركاه فقال:

ما كنت لو فرّقتماني كلا كما … لأجزع مما تصنعان وأفرقا

لكنما فرقتماني بضيغم … إذا علقت أنيابه القرن مزّقا

لشرّ عريف من معدّ ومنكب … ضرار الخنا والعنبريّ ابن أحوقا (٢)

قالوا: ولما ولي يزيد بن المهلب صلاة العراق وأحداثه، وولي صالح بن


(١) ديوان جرير ص ٤٩٢ مع فوارق.
(٢) ليست في ديوانه المطبوع.