للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت بنو كليب لعطية بن الخطفى عم جرير: اركب إلى بني مجاشع فاستنههم من أنفسهم فقد قالوا كما قيل لهم، فأتاهم فقال: يا بني مجاشع أنتم الأخوة والعشيرة، وقد قلتم كما قيل لكم، فأبى البعيث إلاّ هجاء جرير فلجّا في التهاجي، وبلغ الفرزدق خبرهما فغضب لقومه وللبعيث، وكان قد قيّد نفسه وحلف ألا يحلّ قيوده حتى يجمع القرآن - أي يحفظه - فقال الفرزدق قصيدته التي يقول فيها:

أتتني أحاديث البعيث ودونه … زرود فشامات الشقيق (١) من الرمل

فقلت أظنّ ابن الخبيثة أنني … شغلت عن الرامي الكنانة بالنبل

فإن يك قيدي كان نذرا نذرته … فما بي عن أحساب قومي من شغل (٢)

ونشب الهجاء بين جرير والفرزدق فقال البعيث:

أشاركتني في ثعلب قد أكلته … فلم يبق إلاّ رأسه وأكارعه

فدونك خصييه وما ضمت استه … فإنك قمام خبيث مراتعه

فزعموا أنهما تهاجيا ثمانيا وأربعين سنة، ومات جرير بعد الفرزدق بيسير، وله أكثر من ثمانين سنة، وكان تهيأ للشخوص إلى هشام بن عبد الملك وقال:

فكيف ولا أشد إليك رحلي … أروم إلى زيارتك المراما (٣)

فمات قبل أن يسير، وعلى البصرة يومئذ بلال بن أبي بردة واليا لخالد بن عبد الله القسري، وكان موت جرير باليمامة وكان يكنى أبا حزرة.


(١) الشقيق: كل غلظ بين رملتين معجم البلدان.
(٢) ديوان الفرزدق ج ٢ ص ١٥٣.
(٣) ديوان جرير ص ٤٠٩.