أكناف هبّود (١) يلتمس لهم الميرة، وايم الله لأوقرنّ رواحلهم خزيا وعارا ثم أتى رحله في دار كانت في موضع دار جعفر بن سليمان اليوم، وكان يسكن غرفة فمكث ليلته لا يهدأ ولا يقر، فيصعد إليه بعض من معه فيقولون:
ما عراك؟ فيقول: خير، ثم يعود فيعودون فلا يخبرهم حتى انفتح له الهجاء، وبلغ ما أراد، فقال قتلت العبد وأخزيته، فسئل عن أمره كما كان يسأل فقال: إني كنت أداور هجاء هذا العبد النميري حتى أطلعت طلع هجائه، وتأتّى لي ما أردت منه، وأدخل طرف ثوبه بين رجليه وهدر وقال:
فضحت ابن بزوع وأخزيته، وبزوع أم الراعي، وقال: يا صبي أطفئ السراج وهدأ، حتى إذا أصبح لقي الراعي في سوق الإبل فقال له:
أجندل ما تقول بنو نمير … إذا ما الأير في است أبيك غابا
فقال: تقول شرا، ثم أنشده القصيدة.
حدثني المدائني قال: كان لجرير عبد أسود أعجمي يدعى بلقب له فيغضب، فمر ببني نمير فألحوا عليه بلقبه فشكا ذلك إلى جرير فحفظه بيته:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير … فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال له: إذا مررت عليهم فأنشدهم هذا البيت. فمر عليهم فدعوه باللقب فأراد أن ينشدهم البيت فنسيه فجلس مفكرا ثم رفع رأسه فقال:
غمضوا عيونكم يا أولاد الزنا. فقال شيخ منهم: ويحكم والله ما أراد إلا بيت جرير، فكفوا عنه أخزاه الله.
ونزل جرير بامرأة من عكل فلم تقره، لأن بنيها كانوا غيبا، فخرج وهو يقول:
(١) هبود: اسم موضع في بلاد تميم، ويقال: عين باليمامة ماؤها ملح. معجم البلدان.