ثم إن الحارث بن ظالم استنقذ للنسوة جميع إبلهنّ، وعلم أن النعمان سيطلبه، فهرب، وتوعّد النعمان من آواه من العرب، فلم يقدم على إيوائه إلاّ زرارة بن عدس فإنه أجاره وآواه، وكان ابن للنعمان عند سلمى بنت ظالم امرأة سنان بن أبي حارثة، فعمد الحارث إلى بعض جهاز سنان فأتاها به وقال: اصنعي ابنك فقد أمرني زوجك أن أحمله إلى أبيه، وهذه العلامة فدفعته إليه فقتله، فبلغ غضب النعمان في ذلك ما لم يبلغه في شيء قط، وجهز جيشا كثيفا مع ابن الخمس، وهو أسود بن عمرو، وعمرو هو الخمس بن ربيعة من ولد الحارث بن بكر بن حبيب من بني تغلب بن وائل، وبلغ بني عامر ذلك، فانضموا إلى ابن الخمس طالبين بدم خالد بن جعفر وعليهم الأحوص بن جعفر، فلقوا زرارة ومن معه من تميم ومرة وغيرهم من غطفان، فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، فضرب ابن الخمس رجل الحارث بن ظالم فأطنّها، وشد قيس بن زهير العبسي على ابن الخمس فضربه، ثم طعنه فسقط قتيلا ثم تحاجزوا، وكان الحارث منسوبا إلى الوفاء، وأول ما عرف من وفائه أن رجلا من بني أسد يقال له صحان أتاه مستجيرا به وأعلمه أن قوما أغاروا على إبله فاستنقذها له وأجاره وذلك في أول أيامه.
وقال أبو عبيدة: لما قتل الحارث خالد بن جعفر، غضب الأسود بن المنذر وهرب، وكان خالد في جواره، قال: ما أشد الأشياء عليه؟ فقيل:
أن تؤخذ جاراته وإبلهنّ وكنّ من بليّ، فوجّه من ساقهن وأموالهنّ، وبلغه الخبر فأتى من وجهه مواضعهنّ فاستنقذ الإبل وتخلص جاراته، وقتل ابنا للأسود بن المنذر، ثم أتى زرارة بن عدس، ووجه النعمان جيشا عليه ابن الخمس التغلبي فقال الحارث لزرارة: إنه لا يسكن غضب النعمان والأسود