ثم القول في البعوض والبراغيث، ثم القول في القمل والصّئبان. ثم القول في الورل والضّبّ. ثم القول في اليربوع والقنفذ. ثم القول في النسور والرّخم.
ثم القول في العقاب، وفي الأرنب. ثم القول في القردان والضفادع. ثم القول في الحبارى وما أشبه ذلك. وإن كنا قد استعملنا في هذا الكتاب جملا من أخبار ما سمينا بذلك.
وسنذكر قبل ذكرنا لهذا الباب أبوابا من الشعر طريفة، تصلح للمذاكرة، وتبعث على النشاط معه وتستخفّ معه قراءة ما طال من الكتب الطوال.
ولولا سوء ظني بمن يظهر التماس العلم في هذا الزمان، ويذكر اصطناع الكتب في هذا الدهر- لما احتجت في مداراتهم واستمالتهم، وترقيق نفوسهم وتشجيع قلوبهم، مع كثرة فوائد هذا الكتاب- إلى هذه الرياضة الطويلة، وإلى كثرة هذا الاعتذار، حتى كأنّ الذي أفيده إياهم أستفيده منهم، وحتى كأنّ رغبتي في صلاحهم، رغبة من يرغب في دنياهم، ويتضرّع إلى ما حوته أيديهم.
هذا. ولم أذكر لك من الأبواب الطوال شيئا، ولو قد صرت إلى ذكر فرق ما بين الجنّ والإنس، وفرق ما بين الملائكة والأنبياء، وفرق ما بين الأنثى والذكر، وفرق ما بينهما وبين ما ليس بأنثى ولا ذكر، حتى يمتدّ بنا القول في فضيلة الإنسان على جميع أصناف الحيوان، وفي ذكر الأمم والأعصار، وفي ذكر القسم والأعمار، وفي ذكر مقادير العقول والعلوم والصناعات. ثم القول في طباع الإنسان منذ كان نطفة إلى أن يفنيه الهرم، وكيف حقيقة ذلك الردّ إلى أرذل العمر، فإن مللت الكتاب واستثقلت القراءة، فأنت حينئذ أعذر، ولحظّ نفسك أبخس. وما عندي لك من الحيلة إلا أن أصوّره لك في أحسن صورة، وأقلّبك منه في الفنون المختلفة، فأجعلك لا تخرج من الاحتجاج بالقرآن الحكيم إلا إلى الحديث المأثور، ولا تخرج من الحديث إلا إلى الشّعر الصحيح، ولا تخرج من الشّعر الصحيح الظريف إلا إلى المثل السائر الواقع، ولا تخرج من المثل السائر الواقع إلا إلى القول في طرف الفلسفة، والغرائب التي صحّحتها التجربة، وأبرزها الامتحان، وكشف قناعها البرهان، والأعاجيب التي للنفوس بها كلف شديد وللعقول الصحيحة إليها النزاع القويّ.