للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمم إلى أنبيائهم، فقال: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ

«١» وقال: أَتَواصَوْا بِهِ

«٢» ثم قال:

وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا

«٣» . ومثل هذا كثير، ألا ترى أنّك لا تجد بدّا في كلّ بلدة وفي كلّ عصر للحاكة من أن يكونوا على مقدار واحد وجهة واحدة، من السّخط والحمق، والغباوة والظلم، وكذلك النخّاسون «٤» على طبقاتهم. من أصناف ما يبيعون. وكذلك السماكون والقلّاسون «٥» وكذلك أصحاب الخلقان «٦» كلّهم، في كلّ دهر وفي كلّ بلد، على مثال واحد، وعلى جهة واحدة.

وكلّ حجّام في الأرض فهو شديد الاستهتار بالنبيذ، وإن اختلفوا في البلدان والأجناس والأسنان.

ولا ترى مسجونا ولا مضروبا عند السّلطان إلّا وهو يقول: إنّي مظلوم، ولذلك قال الشاعر: [من البسيط]

لم يخلق الله مسجونا تسائله ... ما بال سجنك إلّا قال مظلوم «٧»

وليس في الأرض خصمان يتنازعان إلى حاكم، إلّا كلّ واحد منهما يدّعي عدم الإنصاف والظّلم على صاحبه.

٣١٧-[إعجاب المرء بنفسه]

وليس في الأرض إنسان إلّا وهو يطرب من صوت نفسه، ويعتريه الغلط في شعره وفي ولده. إلّا أنّ الناس في ذلك على طبقات من الغلط: فمنهم الغرق «٨» المغمور، ومنهم من قد نال من الصواب ونال من الخطأ، ومنهم من يكون خطؤه مستورا لكثرة صوابه، فما أحسن حاله ما لم يمتحن بالكشف. ولذلك احتاج العاقل في العجب بولده، وفي استحسان كتبه وشعره، من التحفظ والتوقّي، ومن إعادة النظر والتّهمة إلى أضعاف ما يحتاج إليه في سائر ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>