الفحول بأشدّ من تباغض الأعداء فيما بينهم، حتّى ليس بين الحاسد الباغي وبين أصحاب النّعم المتظاهرة، ولا بين الماشي المعنّى وبين راكب الهملاج الفاره «١» ، ولا بين ملوك صاروا سوقة، صاروا ملوكا، ولا بين بني الأعمام مع وقوع التنافس، أو وقوع الحرب، ولا بين الجيران والمتشاكلين في الصناعات، من الشنف والبغضاء، بقدر ما يلتحف عليه الخصيان للفحول.
وبغض الخصيّ للفحل من شكل بغض الحاسد لذي النعمة، وليس من شكل ما يولّده التنافس وتلحقه الجنايات.
١٣٩-[نسك طوائف من الناس]«٢»
ولرجال كلّ فنّ وضرب من الناس، ضرب من النسك، إذ لا بدّ لأحدهم من النزوع، ومن ترك طريقته الأولى: فنسك الخصيّ غزو الروم، لما أن كانوا هم الذين خصوهم، ولزوم أذنة والرّباط بطرسوس وأشباهها. فظنّ عند ذلك أهل الفراسة أنّ سبب ذلك إنّما كان لأنّ الرّوم لما كانوا هم الذين خصوهم، كانوا مغتاظين عليهم، وكانت متطلّبة إلى التشفّي منهم، فأخرج لهم حبّ التشفّي شدّة الاعتزام على قتلهم، وعلى الإنفاق في كلّ شيء يبلغ منهم. ونسك الخراسانيّ أن يحجّ: ونسك البنوي «٣» أن يدع الديوان. ونسك المغنّي: أن يكثر التسبيح وهو يشرب النبيذ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة في جماعة. ونسك الرافضيّ: إظهار ترك النبيذ. ونسك السّواديّ ترك شرب المطبوخ فقط. ونسك اليهوديّ: إقامة السبت. ونسك المتكلّم: التسرّع إلى إكفار أهل المعاصي، وأن يرمى الناس بالجبر، أو بالتعطيل، أو بالزندقة، يريد أن يوهم أمورا:
منها أنّ ذلك ليس إلّا من تعظيمه للدّين، والإغراق فيه، ومنها أن يقال: لو كان نطفا، أو مرتابا، أو مجتنحا على بليّة، لما رمى الناس، ولرضي منهم بالسلامة، وما كان ليرميهم إلّا للعزّ الذي في قلبه، ولو كان هناك من ذلّ الرّيبة شيء لقطعه ذلك عن التعرّض لهم، أو التنبيه على ما عسى إن حرّكهم له أن يتحرّكوا. ولم نجد في المتكلّمين أنطف ولا أكثر عيوبا، ممّن يرمي خصومه بالكفر.