الفوائد قائمة، ولن تزال فوائدها موجودة ما كانت الدار دار حاجة، ولن يزال من تعظيمها في القلوب أثر، ما كان من فوائدها على الناس أثر.
وقالوا: من ورّثته كتابا، وأودعته علما، فقد ورثته ما يغل ولا يستغلّ، وقد ورثته الضيعة التي لا تحتاج إلى إثارة، ولا إلى سقي، ولا إلى إسجال بإيغار «١» ، ولا إلى شرط، ولا تحتاج إلى أكّار «٢» ، ولا إلى أن تثار، وليس عليها عشر، ولا للسلطان عليها خرج. وسواء أفدته علما أو ورثته آلة علم، وسواء دفعك إليه الكفاية، أو ما يجلب الكفاية. وإنما تجري الأمور وتتصرف الأفعال على قدر الإمكان، فمن لم يقدر إلّا على دفع السبب، ولم يجب عليه إحضار المسبّب، فكتب الآباء، تحبيب للأحياء، ومحي لذكر الموتى.
وقالوا: ومتى كان الأديب جامعا بارعا. وكانت مواريثه كتبا بارعة، وآدابا جامعة، كان الولد أجدر أن يرى التعلّم حظا، وأجدر أن يسرع التعليم إليه، ويرى تركه خطأ. وأجدر أن يجري من الأدب على طريق قد أنهج له، ومنهاج قد وطئ له.
وأجدر أن يسري إليه عرق من نجله، وسقي من غرسه، وأجدر أن يجعل بدل الطلب للكسب، النظر في الكتب، فلا يأتي عليه من الأيّام مقدار الشغل بجمع الكتب، والاختلاف في سماع العلم، إلا وقد بلغ بالكفاية وغاية الحاجة. وإنّما تفسد الكفاية من له تمت آلاته. وتوافت إليه أسبابه، فأما الحدث الغرير، والمنقوص الفقير، فخير مواريثه الكفاية إلى أن يبلغ التمام، ويكمل للطلب. فخير ميراث ورّث كتب وعلم، وخير المورّثين من أورث ما يجمع ولا يفرّق،. ويبصّر ولا يعمي. ويعطي ولا يأخذ.
ويجود بالكلّ دون البعض. ويدع لك الكنز الذي ليس للسلطان فيه حقّ. والرّكاز «٣» الذي ليس للفقراء فيه نصيب، والنّعمة التي ليس للحاسد فيها حيلة. ولا للّصوص فيها رغبة، وليس للخصم عليك فيه حجّة، ولا على الجار فيه مؤونة.
٦٨-[أوجه تأليف كتب العلم]
وأما ديمقراط فإنه قال: ينبغي أن يعرف أنه لا بدّ من أن يكون لكلّ كتاب علم وضعه أحد من الحكماء، ثمانية أوجه: منها الهمّة، والمنفعة، والنسبة، والصحّة، والصّنف، والتأليف، والإسناد، والتدبير، فأوّلها أن تكون لصاحبه همّة، وأن