قالوا: ولسقوط الخامل من عيون الناس، قالت الأعرابيّة لابنها: إذا جلست مع الناس فإن أحسنت أن تقول كما يقولون فقل، وإلّا فخالف تذكر! وأمّا الأصمعيّ فزعم أنّها قالت: فخالف ولو بأن تعلّق في عنقك أير حمار.
وليس يقول هذا القول إلّا من ليس يعرف شكر الغنى، وتقلّب الأموال إلى ما خلقت له، وقطعها عقلها، وخلعها عذرها، وتيه أصحابها، وكثرة خطاهم في حفظها وسترها، وعجزهم عن إماتة حركتها ومنعها من جميع ما تنازع إليه وتحمل عليه.
٣١٣-[ملحة من الملح]
وقد روينا في الملح أنّ رجلا قال لصاحب له: أبوك الذي جهل قدره، وتعدّى طوره، فشقّ العصا، وفارق الجماعة، لا جرم لقد هزم ثم أسر ثمّ قتل ثمّ صلب! قال له صاحبه: دعني من ذكر هزيمة أبي، ومن أسره وقتله وصلبه. أبوك هل حدّث نفسه بشيء من هذا قطّ؟!
٣١٤-[حكم الأسباب في همم الناس]
وليس إلى النّاس بعد الهمم وقصرها، وإنما تجري الهمم بأهلها إلى الغايات، على قدر ما يعرض لهم من الأسباب. ألا ترى أنّ أبعد النّاس همّة في نفسه، وأشدّهم تلفتا إلى المراتب، لا تنازعه نفسه إلى طلب الخلافة، لأن ذلك يحتاج إلى نسب، أو إلى أمر قد وطّئ له بسبب، كسبب طلب أوائل الخوارج الخلافة بالدّين وحده دون النّسب. فإن صار من الخوارج فقد حدث له سبب إمكان الطّلب، أكدى أم نجح.
وقد زعم ناس من العلماء أنّ رجالا خطبت للسّيادة والنّباهة والطّاعة في العشيرة.
٣١٥-[سلطان الحظ]
وكذلك القبيلة ربّما سعدت بالحظّ، وربّما حظيت بالجدّ، وإنّما ذلك على قدر الاتفاق، وإنما هو كالمعافى والمبتلى، وإنما ذلك كما قال زهير:[من الطويل]
وجدت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم «١»
وكما تحظى بعض الأشعار وبعض الأمثال، وبعض الألفاظ دون غيرها، ودون ما يجري مجراها أو يكون أرفع منها.
قالوا: وذلك موجود في المرزوق والمحروم، وفي المحارف «٢» والذي تجوز