ولبغض المزاح في لعب الصبيان بالكلاب واستهتارهم بها. كتب شريح إلى معلّم ولد له كان يدع الكتّاب ويلعب بالكلاب:[من الكامل]
ترك الصّلاة لأكلب يلهو بها ... طلب الهراش مع الغواة الرّجّس «١»
وليأتينّك غاديا بصحيفة ... يغدو بها كصحيفة المتلمّس «٢»
فإذا خلوت فعضّه بملامة ... أو عظه موعظة الأديب الأكيس
وإذا هممت بضربه فبدرّة ... وإذا ضربت بها ثلاثا فاحبس
واعلم بأنّك ما فعلت فإنّه ... مع ما يجرّعني أعز الأنفس
وهذا الشعر عندنا لأعشى بني سليم في ابن له. وقد رأيت ابنه هذا شيخا كبيرا. وهو يقول الشعر؛ وله أحاديث كثيرة ظريفة.
٣٠٥-[مما يدل على قدر الكلب]
وقال صاحب الكلب: ومما يدلّ على قدر الكلب كثرة ما يجري على ألسنة النّاس من مدحه بالخير والشرّ، وبالحمد وبالذمّ، حتّى ذكر في القرآن مرّة بالحمد ومرّة بالذّم. وبمثل ذلك ذكر في الحديث، وكذلك في الأشعار والأمثال، حتى استعمل في الاشتقاقات، وجرى في طريق الفأل والطّيرة، وفي ذكر الرؤيا والأحلام، ومع الجن والحنّ والسّباع والبهائم. فإن كنتم قضيتم عليه بالشر وبالنقص، وباللؤم وبالسقوط لأنّ ذلك كلّه قد قيل فيه، فالذي قيل فيه من الخير أكثر، ومن الخصال المحمودة أشهر.
وليس شيء أجمع لخصال النقص من الخمول، لأنّ تلك الخصال المخالفة لذلك، تعطي من النّباهة وتقيم من الذكر على قدر المذكور من ذلك. وكما لا تكون الخصال التي تورث الخمول مورثة للنباهة، فكذلك خصال النّباهة في مجانبة الخمول، لأنّ الملوم أفضل من الخامل.