وكذلك صار بعض الفرسان الأبطال إذا عاين العدوّ قطّر إلى أن يذهب عنه، لهول الجنان.
وإذا حقب «١» التّيس لم يستطع البول مع شدّة الحضر، ومع النّفز والزّمع «٢» ، ووضع القوائم معا ورفعها معا، في أسرع من الطّرف فيثقل عدوه، ويقصر مدى خطاه، ويعتريه البهر حتّى يلحقه الكلب فيأخذه.
والعنز من الظّباء إذا اعتراها البول من شدّه الفزع لم تجمعه، وحذفت به كإيزاغ المخاض الضّوارب «٣» ، لسعة السّبيل وسهولة المخرج، فتصير لذلك أدوم شدّا، وأصبر على المطاولة.
فهذا شيء في طبع الكلب معرفته، دون سائر الحيوان.
والكلب المجرّب لا يحتاج في ذلك إلى معاناة، ولا إلى تعلّم، ولا إلى رويّة ولا إلى تكلف، قد كفاه ذلك الذي خلق العقل والعاقل والمعقول، والداء والدواء والمداواة والمداوي، وقسم الأمور على الحكمة، وعلى تمام مصلحة الخليقة.
٣٣٣-[مهارة الكلب في الاحتيال للصيد]
ومن معرفة الكلب، أنّ المكلّب يخرجه إلى الصيد في يوم، الأرض فيه ملبسة من الجليد، ومغشّاة بالثّلج، قد تراكم عليها طبقا على طبق، حتّى طبّقها واستفاض فيها، حتّى ربّما ضربته الريح ببردها، فيعود كلّ طبق منها وكأنّه صفاة ملساء، أو صخرة خلقاء «٤» ، حتى لا يثبت عليها قدم ولا خفّ، ولا حافر ولا ظلف، إلّا بالتثبيت الشديد، أو بالجهد والتّفريق- فيمضي الكلّاب بالكلب، وهو إنسان عاقل، وصيّاد مجرّب، وهو مع ذلك لا يدري أين جحر الأرنب من جميع بسائط الأرض، ولا موضع كناس ظبي، ولا مكو ثعلب «٥» ، ولا غير ذلك من موالج «٦» وحوش الأرض؛