إقطاع، وكلّ إنفاق، وكلّ أمان، وكلّ عهد وعقد، وكلّ جوار وحلف. ولتعظيم ذلك، والثقة به والاستناد إليه، كانوا يدعون في الجاهليّة من يكتب لهم ذكر الحلف والهدنة، تعظيما للأمر، وتبعيدا من النسيان، ولذلك قال الحارث بن حلّزة، في شأن بكر وتغلب:[من الخفيف]
واذكروا حلف ذي المجاز وما ق ... دّم فيه العهود والكفلاء «١»
حذر الجور والتّعدّي، وهل ين ... قض ما في المهارق الأهواء!
والمهارق، ليس يراد بها الصّحف والكتب، ولا يقال للكتب مهارق حتّى تكون كتب دين، أو كتب عهود، وميثاق، وأمان.
٣٩-[الرقوم والخطوط]
وليس بين الرّقوم والخطوط فرق، ولولا الرقوم لهلك أصحاب البزّ والغزول، وأصحاب الساج وعامّة المتاجر، وليس بين الوسوم التي تكون على الحافر كلّه والخفّ كلّه والظّلف كلّه، وبين الرقوم فرق، ولا بين العقود والرقوم فرق، ولا بين الخطوط والرقوم كلّها فرق، وكلّها خطوط، وكلها كتاب، أو في معنى الخطّ والكتاب، ولا بين الحروف المجموعة والمصورّة من الصوت المقطّع في الهواء، ومن الحروف المجموعة المصوّرة من السواد في القرطاس فرق.
٤٠-[اللسان والقلم]
واللسان: يصنع في جوبة الفم وهوائه الذي في جوف الفم وفي خارجه، وفي لهاته، وباطن أسنانه، مثل ما يصنع القلم في المداد واللّيقة والهواء والقرطاس، وكلّها صور وعلامات وخلق مواثل، ودلالات، فيعرف منها ما كان في تلك الصّور لكثرة تردادها على الأسماع، ويعرف منها ما كان مصوّرا من تلك الألوان لطول تكرارها على الأبصار، كما استدلّوا بالضّحك على السرور، وبالبكاء على الألم. وعلى مثل ذلك عرفوا معاني الصوت، وضروب صور الإشارات، وصور جميع الهيئات، وكما عرف المجنون لقبه، والكلب اسمه. وعلى مثل ذلك فهم الصبيّ الزجر والإغراء، ووعى المجنون الوعيد والتهدّد، وبمثل ذلك اشتدّ حضر الدابّة مع رفع الصوت، حتّى