عذرتم جميع اللئام وجميع المقصّرين، وجميع الفاسقين والضالّين. وإن كان الأمر إلى التمكين دون التسخير. أفليس من أعجب العجب ومن أسوأ التقدير التمثيل بين الدّيكة والكلاب.
قد عرفنا قولك، وفهمنا مذهبك.
فأما قولك:«وما بلغ من خطر الديك وقدر الكلب» فإنّ هذا ونحوه كلام عبد لم يفهم عن ربّه، ولم يعقل عن سيّده، إلّا بقدر فهم العامّة أو الطبقة التي تلي العامّة.
كأنّك، فهّمك الله تعالى، تظن أنّ خلق الحيّة والعقرب، والتدبير في خلق الفراش والذباب، والحكمة في خلق الذئاب والأسد وكلّ مبغّض إليك أو محقّر عندك، أو مسخّر لك أو واثب عليك، أنّ التدبير فيه مختلف أو ناقص، وأنّ الحكمة فيه صغيرة أو ممزوجة.
١٦٣-[امتزاج الخير بالشر من مصلحة الكون]
اعلم أنّ المصلحة في أمر ابتداء الدنيا إلى انقضاء مدّتها امتزاج الخير بالشرّ، والضارّ بالنافع، والمكروه بالسارّ، والضّعة بالرّفعة، والكثرة بالقلّة. ولو كان الشرّ صرفا هلك الخلق، أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطّعت أسباب الفكرة، ومع عدم الفكرة يكون عدم الحكمة، ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز، ولم يكن للعالم تثبّت وتوقّف وتعلّم، ولم يكن علم، ولا يعرف باب التبيّن، ولا دفع مضرة، ولا اجتلاب منفعة، ولا صبر على مكروه ولا شكر على محبوب، ولا تفاضل في بيان، ولا تنافس في درجة، وبطلت فرحة الظّفر وعزّ الغلبة، ولم يكن على ظهرها محقّ يجد عزّ الحق، ومبطل يجد ذلّة الباطل، وموقن يجد برد اليقين، وشاكّ يجد نقص الحيرة وكرب الوجوم؛ ولم تكن للنفوس آمال ولم تتشعّبها الأطماع. ومن لم يعرف كيف الطّمع لم يعرف اليأس، ومن جهل اليأس جهل الأمن، وعادت الحال من الملائكة الذين هم صفوة الخلق، ومن الإنس الذين فيهم الأنبياء والأولياء، إلى حال السبع والبهيمة، وإلى حال الغباوة والبلادة، وإلى حال النجوم في السّخرة؛ فإنها أنقص من حال البهائم في الرّتعة. ومن هذا الذي يسرّه أن يكون الشمس والقمر والنّار والثلج، أو برجا من البروج أو قطعة من الغيم؛ أو يكون المجرّة بأسرها، أو مكيالا من الماء أو مقدارا من الهواء؟! وكلّ شيء في العالم فإنما هو للإنسان ولكلّ مختبر ومختار، ولأهل العقول والاستطاعة، ولأهل التبيّن والرويّة.