وأما قولها في المأقة، فإنّ الصبيّ يبكي بكاء شديدا متعبا موجعا، فإذا كانت الأمّ جاهلة حرّكته في المهد حركة تورثه الدّوار، أو نوّمته بأن تضرب يدها على جنبه. ومتى نام الصبيّ وتلك الفزعة أو اللّوعة أو المكروه قائم في جوفه، ولم يعلّل ببعض ما يلهيه ويضحكه ويسرّه، حتى يكون نومه على سرور، فيسري فيه ويعمل في طباعه، ولا يكون نومه على فزع أو غيظ أو غمّ؛ فإنّ ذلك ممّا يعمل في الفساد.
والأمّ الجاهلة والمرقّصة الخرقاء، إذا لم تعرف فرق ما بين هاتين الحالتين، كثر منها ذلك الفساد، وترادف، وأعان الثاني الأوّل والثالث الثاني حتّى يخرج الصبيّ مائقا.
وفي المثل:«صاحبي مئق وأنا تئق»«١» ، يضرب هذا المثل للمسافر الأحمق الرّفيق والزّميل، وقد استفرغه الضّجر لطول السفر فقلبه ملآن، فأوّل شيء يكون في ذلك المئق من المكروه لم يحتمله بل يفيض ضجره عليه، لامتلائه من طول ما قاسى من مكروه السفر.
٢٢٠-[القول في الصوت]
فاحتاج حذّاق الملوك وأصحاب العنايات التامّة، أن يداووا أنفسهم بالسماع الحسن، ويشدّوا من متنهم بالشراب، الذي إذا وقع في الجوف حرّك الدّم، وإذا حرك الدّم حرّك طباع السرور، ثمّ لا يزال زائدا في مكيال الدم، زائدا في الحركة المولّدة للسرور. هذه صفة الملوك. وعليه بنوا أمرهم، جهل ذلك من جهله، وعلمه من علمه.
وقال صاحب الكلب: أمّا تركه الاعتراض على اللّصّ الذي أطعمه أيّاما وأحسن إليه مرارا، فإنّما وجب عليه حفظ أهله لإحسانهم إليه، وتعاهدهم له. فإذا كان عهده ببرّ اللص أحدث من عهده ببرّ أهله، لم يكلّف الكلب النظر في العواقب، وموازنة الأمور. والذي أضمر اللصّ من البيات غيب قد ستر عنه؛ وهو لا يدري أجاء ليأخذ أم جاء ليعطي، أو هم أمروه أو هو المتكلّف لذلك؛ ولعلّ أهله أيضا أن يكونوا قد استحقّوا ذلك منه بالضّرب والإجاعة، وبالسبّ والإهانة.
وأمّا سماجة الصّوت فالبغل أسمج صوتا منه، كذلك الطاووس على أنّهم يتشاءمون به. وليس الصّوت الحسن إلّا لأصناف الحمام من القماريّ والدّباسيّ،