للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا رأيت الفيل ينظر قاصدا ... ظننت بأنّ الفيل يلزمه الفرض

قال أبو عثمان: وقد رأيت أنا في عين الفيل من صحّة الفهم والتأمّل إذا نظر بها، وما شبهت نظره إلى الإنسان إلّا بنظر ملك عظيم الكبر راجح الحلم. وإذا أردت أن ترى من الفيل ما يضحك، وتراه في أسخف حالاته وأجهله فألق إليه جوزة، فإنّه يريد أن يأخذ بطرف خرطومه، فإذا دنا منها تنفّس، فإذا تنفّس طارت الجوزة من بين يديه، ثم يدنو ثانية ليأخذها فيتنفس أخرى، فتبعد عنه، فلا يزال ذلك دأبه.

٢١٤٣-[فضل الفيل على الفرس في الحرب]

قالوا: ويفضل الفيل الفرس في الحرب أنّ الفيل يحمي الجماعة كلهم، ويقاتل ويرمي ويزجّ بالمزاريق «١» ، وله من الهول ما ليس للفرس، وهو أحسن مطاوعة، ولا يعرف بجماح ولا طماح ولا حران.

والخيول العتاق ربّما قتلت الفرسان بالحران مرّة وبالإقدام مرّة، وبسوء الطّاعة وشدّة الجزع، وربّما شبّ الفرس بفارسه حتى يلقيه بين الحوافر والسيّوف، للسّهم يصيبه والحجر يقع به.

وما يشبه ظهر الفرس من ظهره، وظهر الفيل منظرة من المناظر ومسلحة من المسالح.

٢١٤٤-[عمر الفيل]

وفي الفيلة عجب آخر، وذلك أنّ قصر الأعمار مقرون بالإبل والبراذين وبكلّ خلق عظيم. وكلّ شيء يعايش النّاس في دورهم وقراهم ومنازلهم فالناس أطول أعمارا منها، كالجمل، والفرس والبرذون، والبغل والحمار، والثّور والشّاة، والكلب والدّجاج، وكلّ صغير وكبير، إلا الفيل فإنّه أطول عمرا.

والفيل أعظم من جميع الحيوان جسما وأكثر أكلا، وهو يعيش مائة السنة ومائتي السنّة.

وزعم صاحب المنطق في كتاب الحيوان أنّه قد ظهر فيل عاش أربعمائة سنة.

فالفيل في هذا الوجه يشارك الضّباب والحيّات والنّسور، وإذا كان كذلك فهو فوق الورشان وعير العانة- وهو من المعمّرين وفوق المعمّرين- وهو مع ذلك أعظم الحيوان بدنا، وأطولها عمرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>