للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل لصبي يلعب على بابهم [١] : من أبوك يا غلام؟ وكان اسم أبيه كلبا- فقال: وو وو.

وزعم صاحب المنطق، أن كل طائر عريض اللسان، والإفصاح بحروف الكلام منه أوجد.

ولابن آوى صياح يشبه صياح الصبيان. وكذلك الخنزير. وقد تهيأ للكلب مثل: عف عف، ووو وو، وأشباه ذلك. وتهيّأ للغراب القاف. وقد تهيّأ للهزاردستان- وهو العندليب- ألوان أخر، وقد تهيّأ للببغاء من الحروف أكثر. فإذا صرت إلى السنانير وجدتها قد تهيّأ لها من الحروف العدد الكثير، ومتى أحببت أن تعرف ذلك فتسمّع تجاوب السنانير، وتوعّد بعضها لبعض في جوف الليل، ثم أحص ما تسمعه وتتبّعه، وتوقّف عنده، فإنك ترى من عدد الحروف ما لو كان لها من الحاجات والعقول والاستطاعات؛ ثمّ ألّفتها لكانت لغة صالحة الموضع، متوسّطة الحال.

١٤٢٣-[العلة في صعوبة بعض اللغات]

واللغات إنما تشتدّ وتعسر على المتكلم بها؛ على قدر جهله بأماكنها التي وضعت فيها، وعلى قدر كثرة العدد وقلّته، وعلى قدر مخارجها، وخفّتها وسلسها، وثقلها وتعقّدها في أنفسها، كفرق ما بين الزّنجي والخوزي فإن الرجل يتنخّس [٢] في بيع الزّنج وابتياعهم شهرا واحدا فيتكلّم بعامّة كلامهم، ويبايع الخوز، ويجاورهم زمانا فلا يتعلّق منهم بطائل.

والجملة: أنّ من أعون الأسباب على تعلّم اللغة فرط الحاجة إلى ذلك. وعلى قدر الضرورة إليها في المعاملة يكون البلوغ فيها، والتقصير عنها.

١٤٢٤-[مناسبة الهر للإنسان]

والسنور يناسب الإنسان في أمور [٣] : منها أنه يعطس، ومنها أنه يتثاءب، ومنها أنه يتمطّى ويغسل وجهه وعينيه بلعابه، وتلطع الهرّة وبر جلد ولدها بعد الكبر، وفي الصغر، حتى يصير كأن الدّهان تجري في جلده.


[١] الخبر في البيان ١/٦٤.
[٢] يتنخس: يحترف النّخاسة، وهي بيع الرقيق والعبيد.
[٣] الخبر في ربيع الأبرار ٥/٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>