لا حميريّ وفى ولا عدس ... ولا است عير يحكها الثّفر
لكن عوير وفى بذمّته ... لا قصر عابه ولا عور
فانظر، كم كان عمر زرارة! وكم كان بين موت زرارة ومولد النبي عليه الصلاة والسلام؟! فإذا استظهرنا الشعر، وجدنا له- إلى أن جاء الله بالإسلام- خمسين ومائة عام، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام.
قال: وفضيلة الشعر مقصورة على العرب، وعلى من تكلّم بلسان العرب.
٤٤-[صعوبة ترجمة الشعر]
والشعر لا يستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطّع نظمه وبطل وزنه، وذهب حسنه وسقط موضع التعجب، لا كالكلام المنثور. والكلام المنثور المبتدأ على ذلك أحسن وأوقع من المنثور الذي تحوّل من موزون الشعر.
قال: وجميع الأمم يحتاجون إلى الحكم في الدين، والحكم في الصناعات، وإلى كلّ ما أقام لهم المعاش وبوّب لهم أبواب الفطن، وعرّفهم وجوه المرافق؛ حديثهم كقديمهم، وأسودهم كأحمرهم، وبعيدهم كقريبهم؛ والحاجة إلى ذلك شاملة لهم.
وقد نقلت كتب الهند، وترجمت حكم اليونانيّة، وحوّلت آداب الفرس، فبعضها ازداد حسنا، وبعضها ما انتقص شيئا، ولو حوّلت حكمة العرب، لبطل ذلك المعجز الذي هو الوزن، مع أنّهم لو حوّلوها لم يجدوا في معانيها شيئا لم تذكره العجم في كتبهم، التي وضعت لمعاشهم وفطنهم وحكمهم، وقد نقلت هذه الكتب من أمّة إلى أمّة، ومن قرن إلى قرن، ومن لسان إلى لسان، حتى انتهت إلينا، وكنّا آخر من ورثها ونظر فيها. فقد صحّ أنّ الكتب أبلغ في تقييد المآثر، من البنيان والشعر.
ثم قال بعض من ينصر الشعر ويحوطه ويحتجّ له: إنّ التّرجمان لا يؤدّي أبدا ما قال الحكيم، على خصائص معانيه، وحقائق مذاهبه ودقائق اختصاراته، وخفيّات حدوده، ولا يقدر أن يوفيها حقوقها، ويؤدّي الأمانة فيها، ويقوم بما يلزم الوكيل ويجب على الجريّ، وكيف يقدر على أدائها وتسليم معانيها، والإخبار عنها على حقّها وصدقها، إلّا أن يكون في العلم بمعانيها، واستعمال تصاريف ألفاظها، وتأويلات مخارجها، ومثل مؤلّف الكتاب وواضعه، فمتى كان رحمه الله تعالى ابن