للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرى أن ألفظ بألفاظ المتكلمين ما دمت خائضا في صناعة الكلام مع خواصّ أهل الكلام؛ فإن ذلك أفهم لهم عني، وأخفّ لمؤنتهم عليّ.

ولكل صناعة ألفاط قد حصلت لأهلها بعد امتحان سواها، فلم تلزق بصناعتهم إلّا بعد أن كانت مشاكلا بينها وبين تلك الصناعة.

وقبيح بالمتكلم أن يفتقر إلى ألفاظ المتكلّمين في خطبة، أو رسالة، أو في مخاطبة العوام والتجار، أو في مخاطبة أهله وعبده وأمته، أو في حديثه إذا تحدث، أو خبره إذا أخبر.

وكذلك فإنّه من الخطأ أن يجلب ألفاظ الأعراب، وألفاظ العوامّ وهو في صناعة الكلام داخل. ولكلّ مقام مقال، ولكلّ صناعة شكل.

٨١٢-[خلق بعض الحيوان من غير ذكر وأنثى]

ثم رجع بنا القول إلى ما يحدث الله عزّ وجلّ من خلقه من غير ذكر ولا أنثى.

فقلنا [١] : إنّه لابدّ في ذلك من تلاقي أمرين يقومان مقام الذّكر والأنثى، ومقام الأرض والمطر. وقد تقرب الطّبائع، وإن لم تتحوّل في جميع معانيها، كالنطفة والدّم، وكاللّبن والدّم.

وقد قال صاحب المنطق: أقول بقول عامّ: لابدّ لجميع الحيوان من دم، أو من شيء يشاكل الدّم.

ونحن قد نجد الجيف يخلق منها الدّيدان، وكذلك العذرة. ولذلك المجوسيّ كلما تبرّز ذرّ على برازه شيئا من التراب؛ لئلا يخلق منها ديدان. والمجوسيّ لا يتغوّط في الآبار والبلاليع لأنّه بزعمه يكرم بطن الأرض عن ذلك، ويزعم أنّ الأرض أحد الأركان التي بنيت العوالم الخمسة عليها بزعمهم: أبرسارس وأبرمارس وأبردس وكارس وحريرة أمنة. وبعضهم يجعل العوالم ستة ويزيد أسرس، ولذلك لا يدفنون موتاهم ولا يحفرون لهم القبور، ويضعونهم في النّواويس وضعا.

قالوا: ولو استطعنا أن نخرج تلك الجيف من ظهور الأرضين وأجواف الأحراز [٢] ، كما أخرجناها من بطون الأرضين لفعلنا. وهم يسمّون يوم القيامة روز رستهار، كأنّه يوم تقوم الجيف. فمن بغضهم لأبدان الموتى سمّوها بأسمج أسمائهم.


[١] انظر الفقرة (٨٠٧) .
[٢] الأحراز: جمع حرز، وهو المكان الحصين «القاموس: حرز» .

<<  <  ج: ص:  >  >>