للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرض هذا القول على العقول السليمة، والأفهام التّامّة وتردّه إلى الرسل والكتب؟! فإذا وجدنا هذه الأمور كلها نافية له، كان ذلك عندنا هو المقنع. وليس الشأن فيما يظهر اللّسان من الشكّ فيه والتّجويز له، ولكن ليردّه إلى العقل؛ فإنّه سيجده منكرا ونافيا له، إذا كان العقل سليما من آفة المرض. ومن آفة التخبيل.

٨١٤-[ضروب التخبيل]

والتخبيل ضروب: تخبيل من المرار، وتخبيل من الشّيطان، وتخبيل آخر كالرجل يعمد إلى قلب رطب لم يتوقّح [١] ، وذهن لم يستمرّ [٢] ، فيحمله على الدقيق وهو بعد لا يفي بالجليل، ويتخطّى المقدّمات متسكعا [٣] بلا أمارة، فرجع حسيرا [٤] بلا يقين، وغبر زمانا لا يعرف إلّا الشكوك والخواطر الفاسدة، التي متى لاقت القلب على هذه الهيئة، كانت ثمرتها الحيرة، والقلب الذي يفسد في يوم لا يداوى في سنة، والبناء الذي ينقض في ساعة لا يبنى مثله في شهر.

٨١٥-[قولهم: هذا نبيذ يمنع جانبه]

ثم رجع بنا القول إلى ذكر الذّبّان

قيل لعلّويه كلب المطبخ: أيّ شيء معنى قولهم: «هذا نبيذ يمنع جانبه» ؟

قال: يريدون أن الذّبّان لا يدنو منه. وكان الرّقاشي حاضرا فأنشد قول ابن عبدل: [من الخفيف]

عشّش العنكبوت في قعر دنّي ... إنّ ذا من رزيّتي لعظيم

ليتني قد غمرت دني حتّى ... أبصر العنكبوت فيه يعوم

غرقا لا يغيثه الدّهر إلّا ... زبد فوق رأسه مركوم [٥]

مخرجا كفّه ينادي ذبابا ... أن أغثني فإنّني مغموم

قال: دعني فلن أطيق دنوّا ... من شراب يشمّه المزكوم

قال: والذّبّان يضرب به المثل في القذر وفي استطابة النّتن، فإذا عجز الذّباب عن شمّ شيء فهو الذي لا يكون أنتن منه.


[١] وقح وقاحة: صلب. «القاموس: وقح» .
[٢] يستمر: يقوى، ومنه يوم نحس مستمر: أي قوي. «القاموس: مرر» .
[٣] تسكع: تحير. «القاموس: سكع» .
[٤] حسر: كفرح وضرب: أعيا، فاستحسر فهو حسير. «القاموس: حسر» .
[٥] الركم: جمع شيء فوق آخر حتى يصير ركاما مركوما. «القاموس: ركم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>