للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك الهواء المحيط بهما، وتلك الرّيح المتحرّكة. وإن زعموا أن تلك الضّفادع كانت في السّحاب، فالذي أقرّوا به أعجب من الذي أنكروه. وإنما تقيم الضّفادع وتتربّى وتتوالد في مناقع المياه، في أرض تلاقي ماء. والسّحاب لا يوصف بهذه الصفة. قد نجد الماء يزيد في دجلة والفرات فتنزّ البطون والحفائر التي تليها من الأرض، فيخلق من ذلك الماء السّمك الكثير، ولم يكن في تلك الحفائر الحدث [١] ، ولا في بحر تلك الأرضين شيء من بيض السّمك.

ولم نجد أهل القاطول [٢] يشكّون في أنّ الفأر تخلّق من أرضهم، وأنّهم ربّما أبصروا الفأرة من قبل أن يتم خلقها. فنسبوا بأجمعهم خلق الفأر إلى الذكر والأنثى، وإلى بعض المياه والتّرب والأجواء والزمان، كما قالوا في السمك، والضّفادع، والعقارب.

٨١٣-[ضعف اطراد القياس والرأي في الأمور الطبيعية]

فإن قاس ذلك قائس فقال: ليس بين الذّبّان وبنات وردان وبين الزّنابير فرق، ولا بين الزّنابير والدّبر والخنافس فرق، ولا بين الزّرازير والخفافيش ولا بين العصافير والزّرازير فرق فإذا فرغوا من خشاش الأرض صاروا إلى بغاثها ثم إلى أحرارها، ثم إلى الطواويس والتدّارج [٣] والزمامج [٤] حتى يصعدوا إلى الناس. قيل لهم: ليس ذلك كذلك، وينبغي لكم بديّا أن تعرفوا الطّبيعة والعادة، والطبيعة الغريبة من الطبيعة العامّية، والممكن من الممتنع، وأنّ الممكن على ضربين: فمنه الذي لا يزال يكون، ومنه الذي لا يكاد يكون، وما علة الكثرة والقلة، وتعرفوا أنّ الممتنع أيضا على ضربين: فمنه ما يكون لعلة موضوعة يجوز دفعها، وما كان منه لعلة لا يجوز دفعها، وفصل ما بين العلة التي لا يجوز دفعها وهي على كل حال علة، وبين الامتناع الذي لا علة له إلّا عين الشيء وجنسه.

وينبغي أن تعرفوا فرق ما بين المحال والممتنع، وما يستحيل كونه من الله عزّ وجلّ؛ وما يستحيل كونه من الخلق.


[١] الأحداث: أمطار أول السنة. «القاموس: حدث» .
[٢] القاطول: اسم نهر كأنه مقطوع من دجلة، وهو نهر كان في موضع سامرّا قبل أن تعمر، وكان الرشيد أول من حفره. معجم البلدان ٤/٢٩٧.
[٣] التدرج: طائر يغرد في البساتين بأصوات طيبة حياة الحيوان. ١/٢٣٠.
[٤] الزمج: طائر من الجوارح يصيد به الملوك الطير، وهو دون العقاب، تسميه العجم «دو برادران» .
حياة الحيوان ١/٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>