وكذلك بلعنبر، قد ابتليت وظلمت وبخست، مع ما فيها من الفرسان والشّعراء، ومن الزّهاد، ومن الفقهاء، ومن القضاة والولاة، ومن نوادر الرّجال إسلاميّين وجاهليّين.
وقد سلمت كعب بن عمرو؛ فإنه لم ينلها من الهجاء إلّا الخمش والنّتف.
وربّ قوم قد رضوا بخمولهم مع السلامة على العامّة، فلا يشعرون حتّى يصبّ الله تعالى على قمم رؤوسهم حجارة القذف، بأبيات يسيّرها شاعر، وسوط عذاب يسير به الراكب والمثل، كما قال الشاعر:[من الرجز]
إن منافا فقحة لدارم ... كما الظليم فقحة البراجم «١»
وقال الشاعر:[من الوافر]
وجدنا الحمر من شرّ المطايا ... كما الحبطات شرّ بني تميم «٢»
فما الميسم في جلد البعير، بأعلق من بعض الشعر.
٢٥٨-[أثر الشعر في نباهة القبيلة]
وإذا كان بيت واحد يربطه الشاعر في قوم لهم النباهة والعدد والفعال، مثل نمير، يصير أهله إلى ما صارت إليه نمير وغير نمير، فما ظنّك بالظّليم وبمناف وبالحبطات، وقد بلغ مضرّة جرير عليهم حيث قال:[من الوافر]
فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا «٣»
إلى أن قال شاعر آخر وهو يهجو قوما آخرين:[من الوافر]
وسوف يزيدكم ضعة هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير «٤»
وحتّى قال أبو الرّدينيّ:[من الوافر]
أتوعدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها «٥»