ليس هذا، حفظك الله تعالى، من الباب الذي كنّا فيه، ولكنّه كان مستراحا وجماما. وسنقول في باب من ذكر الجنّ، لتنتفع في دينك أشد الانتفاع. وهو جدّ كلّه.
والكلام الأوّل وما يتلوه من ذكر الحشرات، ليس فيه جدّ إلّا وفيه خلط من هزل، وليس فيه كلام صحيح إلا وإلى جنبه خرافة، لأن هذا الباب هكذا يقع.
وقد طعن قوم في استراق الشّياطين السمع بوجوه من الطّعن. فإذ قد جرى لها من الذّكر في باب الهزل ما قد جرى، فالواجب علينا أن نقول في باب الجدّ، وفيما يرد على أهل الدّين بجملة، وإن كان هذا الكتاب لم يقصد به إلى هذا الباب حيث ابتدئ. وإن نحن استقصيناه كنّا قد خرجنا من حدّ القول في الحيوان. ولكنا نقول بجملة كافية. والله تعالى المعين على ذلك.
١٨٢٥-[رد على المحتجّين لإنكار استراق السمع بالقرآن]
قال قوم: قد علمنا أن الشياطين ألطف لطافة، وأقلّ آفة، وأحدّ أذهانا، وأقلّ فضولا، وأخفّ أبدانا، وأكثر معرفة وأدقّ فطنة منّا. والدّليل على ذلك إجماعهم على أنّه ليس في الأرض بدعة بديعة، دقيقة ولا جليلة، ولا في الأرض معصية من طريق الهوى والشّهوة، خفيّة كانت أو ظاهرة، إلّا والشّيطان هو الدّاعي لها، والمزيّن لها، والذي يفتح باب كلّ بلاء، وينصب كلّ حبالة وخدعة. ولم تكن لتعرف أصناف جميع الشرور والمعاصي حتى تعرف جميع أصناف الخير والطّاعات.
ونحن قد نجد الرّجل إذا كان معه عقل، ثمّ علم أنّه إذا نقب حائطا قطعت يده، أو أسمع إنسانا كلاما قطع لسانه، أو يكون متى رام ذلك حيل دونه ودون ما رام منه- أنّه لا يتكلّف ذلك ولا يرومه، ولا يحاول أمرا قد أيقن أنّه لا يبلغه.
وأنتم تزعمون أنّ الشّياطين الذين هم على هذه الصّفة كلّما صعد منهم شيطان ليسترق السّمع قذف بشهاب نار، وليس له خواطئ، فإمّا أن يكون يصيبه،