للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك الفساد أجناد الملك. ولم يكن الملك ليقوى على العامة بأجناده، وبعشرة أضعاف أجناده، إلا أن يكون في العامة عالم من الناس، يكونون أعوانا للأجناد على سائر الرعية.

وعلى أن الملوك ليس لها في مثل هذه الأمور علّة تدعو إلى المخاطرة بملكها، وإنما غاية الملوك كل شيء لا بد للملوك منه، فأمّا ما فضل عن ذلك فإنها لا تخاطر بأصول الملك تطلب الفضول، إلا من كان ملكه في نصاب إمامة، وإمامته في نصاب نبوّة، فإنه يتّبع كلّ شيء توجبه الشريعة، وإن كان ذلك سبيل الرأي؛ لأن الذي شرع الشريعة أعلم بغيب تلك المصلحة.

وقد ينبغي أن يكون ذلك الزمان كان أفسد زمان، وأولئك الأهل كانوا شرّ أهل. ولذلك لم تر قطّ ذا دين تحوّل إلى المجوسيّة عن دينه. ولم يكن ذلك المذهب إلا في شقّهم وصقعهم [١] من فارس والجبال وخراسان. وهذه كلها فارسية.

١٤٥٠-[أثر البيئة في العقيدة]

فإن تعجّبت من استسقاطي لعقل كسرى أبرويز وآبائه، وأحبائه وقرابينه وكتّابه وأطبائه، وحكمائه وأساورته- فإني أقول في ذلك قولا تعرف به أني ليس إلى العصبيّة ذهبت.

اعلم أني لم أعن بذلك القول الذين ولدوا بعد على هذه المقالة، ونشؤوا على هذه الدّيانة، وغذوا بهذه النّحلة، وربّوا جميعا على هذه الملة؛ فقد علمنا جميعا أن عقول اليونانية فوق الدّيانة بالدهرية والاستبصار في عبادة البروج والكواكب؛ وعقول الهند فوق الديانة بطاعة البدّ [٢] ، وعبادة البددة [٣] ، وعقول العرب فوق الدّيانة بعبادة الأصنام والخشب المنجور، والحجر المنصوب، والصخرة المنحوتة.

فداء المنشأ والتقليد، داء لا يحسن علاجه جالينوس ولا غيره من الأطباء.

وتعظيم الكبراء، وتقليد الأسلاف، وإلف دين الآباء، والأنس بما لا يعرفون غيره، يحتاج إلى علاج شديد. والكلام في هذا يطول.

فإن آثرت أن تتعجب، حتى دعاك التعجّب إلى ذكر أبرويز- فاذكر سادات قريش، فإنهم فوق كسرى وآل كسرى.


[١] الشق والصقعة: الناحية.
[٢] البددة: جمع بد، وهي كلمة فارسية معناها الصنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>