وقال محمّد بن حفص، وهو أبو عبيد الله بن محمد، ابن عائشة: عضّ رجلا من بني العنبر كلب كلب فأصابه داء الكلب، فبال علقا في صورة الكلاب، فقالت بنت المستنثر «١» : [من الطويل]
أبا لك أدراصا وأولاد زارع ... وتلك لعمري نهية المتعجّب «٢»
وحدّثني أبو الصّهباء عن رجال من بني سعد، منهم عبد الرحمن بن شبيب، قالوا: عضّ سنجير الكلب الكلب، فكان يعطش ويطلب الماء بأشدّ الطلب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا، لا أريد! وهكذا يصيب صاحب تلك العضّة. وذلك أنّه يعطش عنها أشدّ العطش ويطلب الماء أشدّ الطلب، فإذا أتوه به هرب منه أشدّ الهرب، فقال دلم وهو عبد لبني سعد:[من الطويل]
لقد جئت يا سنجير أجلو ملقة ... إباؤك للشيء الذي أنت طالب
وهي أبيات لم أحفظ منها إلّا هذا البيت.
وذكر مسلمة بن محارب، وعليّ بن محمّد عن رجاله، أنّ زيادا كتب دواء الكلب، وعلّقه على باب المسجد الأعظم «٣» ، ليعرفه جميع الناس.
وأنا، حفظك الله تعالى، رأيت كلبا مرّة في الحيّ ونحن في الكتّاب، فعرض له صبيّ يسمّى مهديّا من أولاد القصّابين. وهو قائم يمحو لوحه فعضّ وجهه فنقع ثنيّته دون موضع الجفن من عينه اليسرى، فخرق اللحم الذي دون العظم إلى شطر خدّه، فرمى به ملقيّا على وجهه وجانب شدقه؟ وترك مقلته صحيحة، وخرج منه من الدّم ما ظننت أنّه لا يعيش معه، وبقي الغلام مبهوتا قائما لا ينبس، وأسكته الفزع وبقي طائر القلب، ثمّ خيط ذلك الموضع، ورأيته بعد ذلك بشهر وقد عاد إلى الكتّاب، وليس في وجهه من الشّتر «٤» إلا موضع الخيط الذى خيط، فلم ينبح إلى أن برئ، ولا