للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما كان الله تعالى قد جعل في طباع جميع الأمم استقباح جميع صور الشّياطين، واستسماجه وكراهته، وأجرى على ألسنة جميعهم ضرب المثل في ذلك- رجع بالإيحاش والتّنفير، وبالإخافة والتقريع، إلى ما قد جعله الله في طباع الأوّلين والآخرين وعند جميع الأمم على خلاف طبائع جميع الأمم.

وهذا التأويل أشبه من قول من زعم من المفسّرين، أنّ رؤوس الشّياطين نبات نبت باليمن. [وقول بعضهم: إن الشياطين ها هنا: الحيّات] [١] .

وقال الله عزّ وجلّ لنبيّه: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

[٢] فذكر أنه رجس، وذكر الخنزير، وهو أحد المسوخ، ولم يذكر في هذه الآية التي أحصى فيها أصناف الحرام، وأباح ما وراء ذلك- القرد.

وصار بعضهم إلى تحريمه من جهة الحديث. وهو عند كثير منهم يحتمل المعارضة.

٩٧٥-[مساوئ الخنزير]

فلولا أنّ في الخنزير معنى متقدّما سوى المسخ، وسوى ما فيه من قبح المنظر وسماجة التمثيل، وقبح الصوت، وأكل العذرة، مع الخلاف الشديد واللّواط المفرط والأخلاق السمجة، ما ليس في القرد الذي هو شريكه في المسخ- لما ذكره دونه.

٩٧٦-[تحريم الخنزير في القرآن، دون القرد]

وقد زعم ناس أنّ العرب لم تكن تأكل القرود. وكان من تنصّر من كبار القبائل وملوكها يأكل الخنزير، فأظهر لذلك تحريمه؛ إذ كان هناك عالم من الناس، وكثير من الأشراف والوضعاء، والملوك والسّوقة، يأكلونه أشدّ الأكل، ويرغبون في لحمه أشدّ الرغبة.

قالوا: ولأنّ لحم القرد ينهى عن نفسه. ويكفي الطبائع في الزّجر عنه غنثه. ولحم الخنزير ممّا يستطاب ويتواصف، وسبيل لحم القرد كسبيل لحم الكلب، بل هو شرّ


[١] الزيادة من ثمار القلوب (١٥٧) .
[٢] ١٤٥/الأنعام: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>