للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ

«١» إنّ المحروم هو الكلب «٢» ؛ وسمعوا في المثل:

«اصنعوا المعروف ولو إلى الكلب» «٣» عطفوا عليه واتّخذوه في الدّور. وعلى أنّ ذلك لا يكون إلّا من سفلتهم وأغبيائهم، ومن قلّ تقزّزه وكثر جهله، وردّ الآثار إمّا جهلا وإمّا معاندة.

١٥٤-[حوار في الديك]

وأما الديك فمن بهائم الطير وبغاثها، ومن كلولها والعيال على أربابها، وليس من أحرارها ولا من عتاقها وجوارحها، ولا ممّا يطرب بصوته ويشجي بلحنه، كالقماريّ والدّباسيّ «٤» والشّفانين «٥» والوراشين والبلابل والفواخت، ولا ممّا يونق بمنظره ويمتع الأبصار حسنه، كالطواويس والتّدارج «٦» ، ولا مما يعجب بهدايته ويعقد الذمام بإلفه ونزاعه، وشدة أنسه وحنينه، وتريده بإرادته لك، وتعطف عليه لحبّه إياك، كالحمام، ولا هو أيضا من ذوات الطيران منها، فهو طائر لا يطير، وبهيمة لا يصيد، ولا هو أيضا مما يكون صيدا فيمتع من هذه الجهة ويراد لهذه اللّذة.

والخفّاش أمرط، وهو جيّد الطيران، والدّيك كاس وهو لا يطير. وأيّ شيء أعجب من ذي ريش أرضيّ، ومن ذي جلدة هوائيّ.

وأجمع الخلق لخصال الخير الإنسان، وليس الزّواج إلّا في الإنسان وفي الطير، فلو كان الديك من غير الطير ثمّ كان ممن لا يزاوج، لقد كان قد منع هذه الفضيلة وعدم هذه المشاكلة الغريبة، وحرم هذا السّبب الكريم والشّبه المحمود. فكيف وهو لا يزاوج، وهو من الطير الذي ليس الزواج والإلف وثبات العهد، وطلب الذرء وحبّ النّسل، والرجوع إلى السكن والحنين إلى الوطن- إلّا له وللإنسان. وكلّ شيء لا يزاوج فإنّما دخله النقص وخسر هذه الفضيلة من جهة واحدة، وقد دخل الديك النقص من جهتين. ووصف أبو الأخزر الحمّانيّ الحمار وعير العانة خاصّة، فإنّه أمثل في باب المعرفة من الأهليّ، فذكر كيف يضرب في الأتن، ووصف استبهامه عن طلب

<<  <  ج: ص:  >  >>