للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فعضّ عليها عضة اختلعت أنيابه، فلم يخلّها حتى عضضت على رأسه.

قال: فأتيت أهلي فشققت بطنه، فإذا فيها حيّتان عظيمتان إلّا الرّأس.

قال: وهو يشدخ رأس الحيّة ثمّ يبتلعها فلا يضرّه سمّها. وهذا عنده أعجب ما فيه. فكيف لو رأى الحوّائين عندنا، وأحدهم يعطى الشيء اليسير، فإن شاء أكل الأفعى نيّا، وإن شاء شواء، وإن شاء قديدا فلا يضرّه ذلك بقليل ولا كثير.

وفي الورل أنه ليس شيء من الحيوان أقوى على أكل الحيّات وقتلها منه، ولا أكثر سفادا، حتى لقد طمّ في ذلك على التّيس، وعلى الجمل، وعلى العصفور، وعلى الخنزير، وعلى الذّبّان في العدد، وفي طول المكث. وفيه أنّه لا يحتفر لنفسه بيتا، ويغتصب كلّ شيء بيته؛ لأنها أيّ جحر دخلته هرب منه صاحبه. فالورل يغتصب الحيّة بيتها كما تغتصب الحيّة بيوت سائر الأحناش والطّير والضّب.

وهو أيضا من المراكب. وهو أيضا مما يستطاب، وله شحمة، ويستطيبون لحم ذنبه. والورل دابّة خفيف الحركة ذاهبا وجائيا، ويمينا وشمالا. وليس شيء بعد العظاءة أكثر تلفّتا منه وتوقفا.

١٩٥٢-[زعم المجوس في العظاءة]

وتزعم المجوس أنّ أهرمن، وهو إبليس، لمّا جلس في مجلسه في أوّل الدهر ليقسّم الشّرّ والسّموم- فيكون ذلك عدّة على مناهضة صاحب الخير إذا انقضى الأجل بينهما، ولأنّ من طباعه أيضا فعل الشر على كلّ حال- كانت العظاءة آخر من حضر، فحضرت وقد قسم السمّ كلّه، فتداخلها الحسرة والأسف. فتراها إذا اشتدّت وقفت وقفة تذكّر لما فاتها من نصيبها من السّم، ولتفريطها في الإبطاء حتى صارت لا تسكن إلّا في الخرابات والحشوش [١] ؛ لأنها حين لم يكن فيها من السّم شيء لم تطلب مواضع الناس كالوزغة التي تسكن معهم البيوت، وتكرع في آنيتهم الماء وتمجّه، وتزاقّ الحيّات وتهيّجها عليهم. ولذلك نفرت طباع النّاس من الوزغة، فقتلوها تحت كلّ حجر، وسلمت منهم العظاءة تسليما منهم.

ولم أر قولا أشدّ تناقضا، ولا أموق من قولهم هذا؛ لأنّ العظاءة لم يكن ليعتريها من الأسف على فوت السمّ على ما ذكروا أوّلا إلّا وفي طبعها من الشّرارة الغريزيّة أكثر ممّا في طبع الأفعى.


[١] الحشوش: جمع حش، وهو بيت الخلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>