للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثم رجع بنا القول إلى موضعنا من ذكر الخنزير]

ثمّ قال: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

[١] ألا تراه قد ذكر أصناف ما حرّم ولم يذكرها بأكثر من التّحريم، فلمّا ذكر الخنزير قال: فَإِنَّهُ رِجْسٌ

؟! فجعل الخنزير وإن كان غير ميتة أو ذكر الذّابح عليه اسم الله، أنّه رجس. ولا نعلم لهذا الوجه إلّا الذي خصّه الله به من ذكر المسخ، فأراد تعظيم شأن العقاب ونزول الغضب، وكان ذلك القول ليس ممّا يضرّ الخنزير، وفيه الزّجر عن محارمه، والتّخويف من مواضع عذابه. وإن قيل: ينبغي أن يكون مسخ صورة القرد، فهلّا ذكره في التحريم مع أصناف ما حرّم، ثمّ خصّه أيضا أنّه من بينها رجس، وهو يريد مذهبه وصفته؟ قلنا. إنّ العرب لم تكن تأكل القرود، ولا تلتمس صيدها للأكل. وكلّ من تنصّر من ملوك الرّوم والحبشة والصّين، وكلّ من تمجّس من ملك أو سوقة، فإنّهم كانوا يرون للحم الخنزير فضيلة، وأنّ لحومها ممّا تقوم إليه النفوس، وتنازع إليه الشّهوات.

وكان في طباع الناس من التكرّه للحوم القردة، والتقذّر منها ما يغني عن ذكرها. فذكر الخنزير إذ كان بينهما هذا الفرق، ولو ذكر ذلك وألحق القرد بالخنزير لموضع التحريم، لكان ذلك إنما كان على وجه التوكيد لما جعله الله تعالى في طبائعهم من التكرّه والتقذّر، ولا غير ذلك.

وقال الله عزّ وجلّ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ

[٢] .

٩٩١-[بعض وجوه التحريم]

وقد أنبأك كما ترى عن التّحريم أنّه يكون من وجوه: فمنها ما يكون كالكذب والظلم والغشم والغدر؛ وهذه أمور لا تحلّ على وجه من الوجوه. ومنها ما يحرم في العقل من ذبح الإنسان الطّفل. وجعل في العقول التبيّن بأنّ خالق الحيوان أو المالك له، والقادر على تعويضه، يقبح ذلك في السماع على ألسنة رسله.


[١] ٤٥/الأنعام: ٦.
[٢] ١٤٦/الأنعام: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>