يزجم «١» ويهرّ، فلمّا انصرفوا أتى رأس البئر؛ فما زال يعوي وينبث عنه ويحثو التّراب بيده ويكشف عن رأسه حتى أظهر رأسه، فتنفّس وردّت إليه الرّوح؛ وقد كاد يموت ولم يبق منه إلّا حشاشة، فبينا هو كذلك إذ مرّ ناس فأنكروا مكان الكلب ورأوه كأنّه يحفر عن قبر، فنظروا فإذا هم بالرّجل في تلك الحال، فاستشالوه «٢» فأخرجوه حيّا، وحملوه حتّى أدّوه إلى أهله، فزعم أنّ ذلك الموضع يدعى ببئر الكلب. وهو متيامن عن النّجف.
وهذا العمل يدل على وفاء طبيعي وإلف غريزي ومحاماة شديدة، وعلى معرفة وصبر، وعلى كرم وشكر، وعلى غناء عجيب ومنفعة تفوق المنافع، لأنّ ذلك كلّه كان من غير تكلف ولا تصنّع.
٣٣٦-[أسدي يأكل جرو كلب]
وقال مؤمّل بن خاقان، لأعرابيّ من بني أسد، وقد أكل جرو كلب: أتاكل لحم الكلب وقد قال الشاعر: [من الطويل]
إذا أسديّ جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله «٣»
أكلّ هذا قرما إلى اللحم؟ قال: فأنشأ الأسديّ يقول: [من الطويل]
وصبّا بحظّ اللّيث طعما وشهوة ... فسائل أخا الحلفاء إن كنت لا تدري «٤»
٣٣٧-[حب الأسد للحم الكلب]
قال: وذلك لأنّ الأسد لا يحرص على شيء من اللّحمان حرصه على لحم الكلب. وأمّا العامّة فتزعم أنّ لحوم الشاء أحبّ اللّحمان إليه، قالوا: ولذلك يطيف الأسد بجنبات القرى، طلبا لاغترار الكلب؛ لأنّ وثبة الأسد تعجل الكلب عن القيام وهو رابض، حتّى ربّما دعاهم ذلك إلى إخراج الكلب من قراهم؛ إلّا أن يكون بقرب ضياعهم خنازير، فليس حينئذ شيء أحبّ إليهم من أن تكثر الأسد عندهم. وإنّما