وكذلك الأوابد من الحمام، لأنفسها ترجع. وإلفها للوطن إلف مشترك مقسوم على جميع الطّير. فقد بطل جميع ما ذكرت.
٧٢١-[قواطع السمك]
ثمّ قال: وأعجب من جميع قواطع الطّير قواطع السّمك، كالأسبور والجواف والبرستوج، فإنّ هذه الأنواع تأتي دجلة البصرة من أقصى البحار، تستعذب الماء في ذلك الإبّان، كأنها تتحمّض بحلاوة الماء وعذوبته، بعد ملوحة البحر؛ كما تتحمّض الإبل فتتطلب الحمض- وهو ملح- بعد الخلّة- وهو ما حلا وعذب.
٧٢٢-[طلب الأسد للملح]
والأسد إذا أكثرت من حسو الدّماء- والدّماء حلوة- وأكل اللّحم واللّحم حلو- طلبت الملح لتتملّح به، وتجعله كالحمض بعد الخلّة.
ولولا حسن موقع الملح لم يدخله النّاس في أكثر طعامهم.
والأسد يخرج للتملّح فلا يزال يسير حتّى يجد ملّاحة. وربّما اعتاد الأسد مكانا فيجده ممنوعا، فلا يزال يقطع الفراسخ الكثيرة بعد ذلك فإذا تملّح رجع إلى موضعه وغيضته وعرينه، وغابه وعرّيسته، وإن كان الذي قطع خمسين فرسخا.
٧٢٣-[قواطع السمك]
ونحن بالبصرة نعرف الأشهر التي يقبل إلينا فيها هذه الأصناف وهي تقبل مرّتين في كلّ سنة، ثمّ نجدها في إحداهما أسمن الجنس، فيقيم كلّ جنس منها عندنا شهرين إلى ثلاثة أشهر، فإذا مضى ذلك الأجل، وانقضت عدّة ذلك الجنس، أقبل الجنس الآخر. فهم في جميع أقسام شهور السّنة من الشتاء والربيع، والصّيف والخريف، في نوع من السّمك غير النّوع الآخر. إلّا أن البرستوج يقبل إلينا قاطعا من بلاد الزّنج، يستعذب الماء من دجلة البصرة، يعرف ذلك جميع الزّنج والبحريّين.
٧٢٤-[بعد بلاد الزّنج والصّين عن البصرة]
وهم يزعمون أنّ الذي بين البصرة والزّنج، أبعد مما بين الصّين وبينها.
وإنما غلط ناس فزعموا أنّ الصّين أبعد، لأن بحر الزّنج حفرة واحدة عميقة واسعة، وأمواجها عظام، ولذلك البحر ريح تهبّ من عمان إلى جهة الزّنج شهرين، وريح تهبّ من بلاد الزّنج تريد جهة عمان شهرين، على مقدار واحد فيما بين الشّدّة