للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في ذلك أنّ الزّنادقة أصحاب ألفاظ في كتبهم، وأصحاب تهويل؛ لأنّهم حين عدموا المعاني ولم يكن عندهم فيها طائل، مالوا إلى تكلّف ما هو أخضر وأيسر وأوجز كثيرا.

٨١٠-[حظوة بعض الألفاظ لدى بعض النّاس]

ولكلّ قوم ألفاظ حظيت عندهم. وكذلك كلّ بليغ في الأرض وصاحب كلام منثور، وكلّ شاعر في الأرض وصاحب كلام موزون؛ فلا بد من أن يكون قد قد لهج وألف ألفاظا بأعيانها؛ ليديرها في كلامه، وإن كان واسع العلم غزير المعاني، كثير اللّفظ.

فصار حظّ الزّنادقة من الألفاظ التي سبقت إلى قلوبهم، واتّصلت بطبائعهم، وجرت على ألسنتهم التناكح، والنتائج، والمزاج والنّور والظلمة، والدفّاع والمنّاع، والساتر والغامر، والمنحلّ، والبطلان، والوجدان، والأثير والصّدّيق وعمود السبح، وأشكالا من هذا الكلام. فصار وإن كان غريبا مرفوضا مهجورا عند أهل ملّتنا ودعوتنا، وكذلك هو عند عوامّنا وجمهورنا، ولا يستعمله إلّا الخواصّ وإلّا المتكلّمون.

٨١١-[لكل مقام مقال ولكل صناعة شكل]

وأنا أقول في هذا قولا، وأرجو أن يكون مرضيا. ولم أقل «أرجو» لأني أعلم فيه خللا، ولكنّي أخذت بآداب وجوه أهل دعوتي وملّتي، ولغتي، وجزيرتي، وجيرتي؛ وهم العرب. وذلك أنّه قيل لصحار العبديّ: الرجل يقول لصاحبه، عند تذكيره أياديه وإحسانه: أما نحن فإنّا نرجو أن نكون قد بلغنا من أداء ما يجب علينا مبلغا مرضيا. وهو يعلم أنّه قد وفّاه حقّه الواجب، وتفضّل عليه بما لا يجب. قال صحار: كانوا يستحبّون أن يدعوا للقول متنفّسا، وأن يتركوا فيه فضلا، وأن يتجافوا عن حقّ إن أرادوه لم يمنعوا منه.

فلذلك قلت «أرجو» . فافهم فهّمك الله تعالى.

فإنّ رأيي في هذا الضّرب من هذا اللفظ، أن أكون ما دمت في المعاني التي هي عبارتها، والعادة فيها، أن ألفظ بالشّيء العتيد [١] الموجود، وأدع التكلّف لما عسى ألّا يسلس ولا يسهل إلّا بعد الرّياضة الطويلة.


[١] العتيد: الحاضر المهيأ «القاموس: عتد» .

<<  <  ج: ص:  >  >>