للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في العصافير]

(القول في العصافير وسنقول باسم الله وعونه في العصفور بجملة من القول.)

وعلى أنّا قد ذكرنا من شأنه أطرافا ومقطّعات من القول تفرّقن في تضاعيف تلك الأصناف. وإذا طال الكلام وكثرت فنونه، صار الباب القصير من القول في غماره مستهلكا، وفي حومته غرقا، فلا بأس أن تكون تلك الفقر مجموعات، وتلك المقطّعات موصولات، وتلك الأطراف مستقصيات مع الباقي من ذكرنا فيه؛ ليكون الباب مجتمعا في مكان واحد. فبالاجتماع تجتمع القوة، ومن الأبعاض يلتئم الكلّ، وبالنظام تظهر المحاسن.

١٣٤٩-[دعوى الإحاطة بالعلم]

ولست أدّعي في شيء من هذه الأشكال الإحاطة به، والجمع لكل شيء فيه.

ومن عجز عن نظم الكثير، وعن وضعه في مواضعه- كان عن بلوغ آخره، وعن استخراج كل شيء فيه أعجز. والمتح [١] أهون من الاستنباط [٢] ، والحصد أيسر من الحرث.

وهذا الباب لو ضمّنه على كتابه من هو أكثر مني رواية أضعافا، وأجود مني حفظا بعيدا، وكان أوسع مني علما وأتمّ عزما، وألطف نظرا وأصدق حسّا، وأغوص على البعيد الغامض، وأفهم للعويص الممتنع، وأكثر خاطرا وأصحّ قريحة، وأقلّ سآمة، وأتمّ عناية، وأحسن عادة مع إفراط الشهوة، وفراغ البال، وبعد الأمل، وقوة الطمع في تمامه، والانتفاع بثمرته، ثم مدّ له في العمر، ومكّنته المقدرة- لكان قد ادّعى معضلة، وضمن أمرا معجزا، وقال قولا مرغوبا عنه، متعجّبا منه؛ ولكان لغوا ساقطا، وحارضا بهرجا [٣] ؛ ولكان ممن يفضل قوله على فعله، ووعده على مقدار إنجازه؛ لأن الإنسان، وإن أضيف إلى الكمال وعرف بالبراعة، وغمر [٤] العلماء؛ فإنه


[١] المتح: جذب الماء بالدلو من رأس البئر.
[٢] الاستنباط: استخراج الماء بحفر الأرض وبحثها.
[٣] الحارض: الفاسد الضعيف. البهرج: الرديء.
[٤] غمر العلماء: علاهم شرفا.

<<  <  ج: ص:  >  >>